Wednesday, August 1, 2007

المعركة القادمة: محاصرة (الجلابة) من أهل الجنوب والشمال

المعركة القادمة: محاصرة (الجلابة) من أهل الجنوب والشمال


تتجدد أحزان البلاد هذه الايام مع مرور الذكرى الثانية لفاجعة رحيل د. جون قرنق ويتناوش الوجدان الشعبى هذا الفقد مع الاحداث الدامية التى شكلت ازمة حادة كادت ان تصبح فتنة ما يزال البعض يستغلها لهتك الوحدة الوطنية ولتحقيق مآرب سياسية وان تدثروا برداء الجهوية والعشائرية والسلالية سىء الغزل و النسج.
وكان تميز قرنق الرئيس ليس باعتباره قائدا لثورة او حركة مسلحة فما اكثر زعماء حرب العصابات ـ الغوريلا ـ فى مجاهل افريقيا، لكن العبرة تجسدت فى المشروع السياسى الذى طرحه الرجل فهو لاول مرة اخرج الازمة فى الجنوب من عنق الزجاجة باعتبارها مشكلة اقليمية الى فضاء الازمة الوطنية المركزية بملامسة الجذور منذ خروج الاستعمار وبزوغ الحكم الوطنى .
وفطن قرنق الى ترسبات التنمية غير المتوازنة ومآلاتها وسيطرة فئات محدودة على مقاليد الامور فى البلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا فاستنصر بالمهمشين ، وقدم برنامج السودان الجديد فاستقطب من مختلف اهل السودان فلذات اكبادهم ، وبلا مواربة تمكن الرجل القادم من اقاصى الجنوب وبلكنة عربى جوبا ان ينسج تحالفات نادرة وغير مسبوقة مع فصائل سياسية مقدرة من الشمال فكان التجمع الوطنى هو اول جسم سياسى يفترع وحدة نضالية مدنية وعسكرية فى مقاعد المعارضة بين الشمال والجنوب وهذه تجربة قمين بنا ان نتدارسها لانها ترسخ للوحدة وتجمع اشتات الوجدان الشعبى بصورة عملية ، عوضا عن الشعارت الجوفاء التي تصدعت بها "طاحونة" الدولة الاعلامية لعقود مضت دون ان نرى طحينا .
ويعضد مصداقية قرنق فى الدعوة لسودان موحد على اساس جديد ، الدماء التى سالت فى قتاله فى مواجهة مجموعة الناصر التى انسلخت عن الحركة فى عام 1991م وجاهرت برفع لواء الانفصال وقاد هذه المجموعة رياك مشار ولام اكول فشحذت الحركة همتها القتالية لتوطيد برنامج السودان الجديد ولم تلن للرجل وقتئذ قناة وتضييق أُولي القربى اشد ، ناهيك عن سلطة الانقاذ المتباهية حينذاك بشبابها وجبروتها وصيف عبورها ، ورغم هاتيك الاحن استمسك قرنق بان تكون الحركة لكل السودان ، لا حركة جنوبية منزوعة المخالب فكان له ما اراد وغرس بذور الوحدة عميقا بين طاقمه السياسى .
وبعيدا عن الغابة التى ألفته والفها ادار قرنق مفاوضات شاقة على مدى ثلاث سنوات مع خصومه فى الجانب الحكومى ومن بعد كان التوقيع على اتفاق نيفاشا ، فوقف دوي البنادق بتسوية تاريخية مهدت الطريق لاعادة هيكلة الدولة السودانية باسس جديدة لاول مرة.
وفى الثامن من يوليو 2005 م كان حضور جون قرنق دى مبيور اتيم الباهى للخرطوم بعد هجر فاق العقدين من الزمان فازدانت له ارض مقرن النيلين ولقى استقبال الفاتحين بعد ان احتشد الملايين لتحيته بطلا للسلام ومرشدا لمرحلة قادمة ، ولعل وهج لوحة قوس النصر التى رسمها انصاره كانت علامة فارقة جَسرت الطريق لكسر اطار الصورة للوحة باذخة لثائر سودانى كان امتدادا لعلى عبد اللطيف وصحبه الاماجد .
فهذا الجنوبى المنحدر من عشائر الدينكا كان ( لاول مرة ) يفسح المجال لاهل الجنوب لتبوء منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية . وبعد عدة ايام دخل القصر الجمهورى وتبسم اهل السودان خيرا بان القادم الجديد من الاحراش سيحدث فرقا لصالحهم فهو يتملك رؤية مختلفة ومنحازة للفقراء وما اكثرهم . وله نصيب وافر فى العلاقات الدولية ومعرفة بالعسكرية واجادة للغة السياسية ، وفوق هذا وذاك هو اول اقتصادى يلج مؤسسة الرئاسة وله فى ذلك دكتوراة فى الاقتصاد الزراعى ، وهو مايزال يرتب الاوضاع بالجنوب والحركة فى المراحل الجنينية للتحول من العمل العسكرى للسياسى واتفاق السلام لم تلجم شياطين انفاذه بعد ، فكانت فاجعة الرحيل... وبتحطم مروحية قرنق اليوغندية بشاهق جبال الجنوب رزيت البلاد بفقد مفكر ومحارب وسياسى وبغياب قرنق مرت مياه كثيرة تحت جسور برنامج السودان الجديد وارتجت خطوات اتفاق نيفاشا بألغام التطبيق ، وتبدلت الموازنات داخل حركته فهو ليس مجرد قائد فالرجل الابنوسى صاحب كارزمية متوهجة وذهن متقد .



والعبرة فى الذكرى ليست بالعويل والتمجيد الشخصى وحسب ولكن جوهر الذكرى يتجسد فى المضى قدما فى برنامج السودان الجديد لانه يفتح كوة امل لاهل السودان بعد ان اعياهم فشل الانظمة المتعاقبة وتكلس الساسة الذين يظنون انهم جبلوا لكل الازمنة . والانتماء للفكر يعنى الكفاح لان يخرج من صدور الرجال والكتب ليصير واقعا معاشا يمشى على قدمين . وان تخرج الحركة من ( زنبقة ) انها جنوبية المطالب لعريض طموح كل السودان الجديد . وطلاوة الذكرى مرتهنة بالتمسك بانفاذ اتفاق السلام والتحول الديمقراطى وتعديل القوانين لتوائم الدستور وفتح الباب لحرية الصحافة والشفافية لمحاربة الفساد فى كل مستويات السلطة واستغلال الثروة في التنمية ومعاش الناس ليكون السلام فى المنازل والشوارع حقا ومستحقا .. وبذا تكون الذكرى .
وعلى الضفة الاخرى لابد من محاصرة ذكريات احداث الاثنين التى اعقبت رحيل قرنق وتجفيف منابع الفرقة الوطنية حتى لا تكون مخرزا فى خاصرة الوحدة الوطنية ومعولا للهدم فى ايدى من هم حبيسى النظرات العنصرية والجهوية ، وهؤلاء سواء أكانوا شمالا او جنوبا ينطلقون من ذات المستنقع العنصرى والاقصائى وان اختلفت السحنة ولون البشرة ولكنة اللسان ، فكل مجموعة من تلكم تود الانفصال حتى تحكم قبضتها وتستأثر باعتبارها تمثل الدم الاكثر صفاءً واعز نفرا ، أى أن تشظى الوطن يعلى من اجندتها الاستعلائية ووثوبها نحو مغانم السلطة ، وهؤلاء تعد الديمقراطية والشفافية الد خصومهم لانهم لايسعون الا بذات ليل ويستثمرون فى الجهل والعصبيات الدنيئة ، ففى الشمال برزت مجموعة منبر السلام العادل لاستغلال احداث يوم الاثنين الكالح وهى تحركها ذات عقلية الجلابة التى ترى انها متميزة عرقيا وثقافيا واضحت تروج لدعاوى تمزيق العروة الوطنية عبر النفخ فى كير الجهوية .
وهى هكذا تشتت ارادة الوحدة ليرتد الناس للغرائز الادنى . وهم يقفون بالمرصاد للتحول الديمقراطى ويساندون اهل الشوكة من غلاة المتنفذين فى السلطة للمحافظة على الكسب الضيق خصما على الوطن والمستقبل لخدمة مصالح فئة ضيقة وان توشحت بالعرق والدم العربى ولكن يذهب الزبد جفاءً . وان باقان اموم امين عام الحركة ما فتئ يدعو لمحاربة جلابة الشمال فعليه الانتباه لجلابة الجنوب ، فلكل مكان جلابة لانه مفهوم معنى باى مجموعة تستغل دعاوى السمو العرقى لاحتكار السلطة والثروة وتهميش الآخر واستشراء نزعات الفساد .
وبذات المنهج فهناك جلابة برزوا فى الجنوب بعد اتفاق السلام يرجون الانفصال ويبثون سموم العنصرية ومعاداة بقية الاعراق ويحشدون قدراتهم فى الفساد والسيطرة على ثروات وسلطات الجنوب . بل والتآمر واقصاء القابضين على جمر السودان الجديد ليؤول الامر لهم فى الجنوب من دون بقية اهله وليذهب قرنق وبرنامجه والمؤمنين به الى الجحيم .
وثمة ارتباط عضوي ما بين مصالح جلابة الشمال وجلابة الجنوب فالانفصال والشمولية تحقق مصالح اى طرف منهما ،ومواجهة هذه التيارات هى نضال مابعد نيفاشا ، اى ان مبارزة مجهضي اتفاق السلام لا تتم فى الشمال والحكومة المركزية وحدها ، بل يجب النظر ايضا لرصفائهم والذين هم على وفاق مع انفصاليي الشمال . ويمكن الملاحظة من الاقرب لهؤلاء داخل الحركة ، هل دعاة الوحدة اما من قاتلوا من اجل الانفصال، وبذات المنطق على باقان ومن شايعه فى ذكرى قرنق ان يصوبوا طاقاتهم مع اهل الوحدة والديمقراطية فى الشمال فالمصائب يجمعن المصابينا وبلاشك ان هذا صراع متصل ويتقد كلما اقترب استفتاء تقرير المصير وكلما دنت ساعة الانتخاب ..

No comments: