Wednesday, August 29, 2007

اتفاق الشرق ليس حبراً على ورق

آن لأهله شرب أنخاب (الفرح) و(القهوة):

اتفاق الشرق ليس حبراً على ورق

فتح الرحمن شبارقة


--------------------------------------------------------------------------------

بقاعة الصداقة صبيحة الأمس، وبالتحديد في القاعة التي أُعدت على نحو متعجل لاستقبال قيادات جبهة الشرق، كان الهتاف الداوي وغير الموحّد يهز أركان القاعة، وفيما لم يتجاوز الهتاف حدود الشرق وشخوصه اتجه موسى محمد أحمد رئيس جبهة الشرق وزعيم مؤتمر البجا نحو المنصة، صمت للحظات أمامها، استمع فيها لتلك الهتافات حتى هدأت ثم بدأ الحديث وإن شئت الدقة الهتاف بذكاء تجاوز.. بجا حديد .. الى حديث آخر كشف عن نزعة قومية عُرف بها الرجل حسب بعض المقربين منه وإن جاء الى رئاسة الجمهورية محمولاً على جواد الشرق.

قبل صعود موسى الى المنصة كنت قد تحدثت الى نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي تاج السر محمد صالح الذي كان متواجداً داخل القاعة عن دلالات عودة جبهة الشرق وما إذا كانت ستؤثر على شعبية الحزب صاحب النفوذ التقليدي في الشرق بعد عودة قياداتها الى الداخل، تاج السر قال إنهم سعيدون بعودة الجبهة التي تربطها مع الاتحادي علاقات خاصة وزاد بأن للجبهة عمقاً جماهيرياً لا يستهان به، إلا أن الاتحادي كذلك مهموم بقضايا الشرق ولن يتأثر نفوذه وشعبيته مطلقاً.

رداء القومية

وعندما بدأ موسى حديثه بهتاف الاتحاديين القديم عاش أبوهاشم توهمت للحظة بأن هناك خصوصية أكبر، إلا أن موسى أردف هتافات أخرى على شاكلة الله أكبر «المؤتمر الوطني» الله أكبر ولله الحمد «حزب الأمة»، الحركة الشعبية ويي ياي.. في وقت كان أنصاره يرددون هتاف بجا حديد «مما يشير الى وجود مسافة فاصلة بين موسى الذي جاء متدثراً برداء القومية، وأنصاره أو بعضهم الذين تدثروا بثوب آخر يمكن أن يغزل على منوال موسى في حال التبشير بالاتفاقية- اتفاقية أسمرا- وشرحها الى أهل الشرق.

لكن ما بدأ به موسى كان في خواتيم اللقاء الحاشد الذي أُعد لاستقباله ونائبته د. آمنة ضرار والدكتور مبروك مبارك سليم الأمين العام للجبهة وغيرهم من قيادات الجبهة الذين وصلوا في الحادية عشرة من صباح أمس الى مطار الخرطوم منهيين بذلك فترة طويلة من «الكفاح المسلح» وغير المسلح حيث كان في استقبالهم د. مصطفى عثمان اسماعيل ومالك عقار وولاة الولايات الشرقية ورؤساء مجالسها التشريعية وحضور آخر نوعي صافح القادمين على نحو متعجل قبل أن يتجه الجميع الى قاعة الصداقة.

وفيما احتشد المئات خارجها، كان داخل القاعة مرتباً فيما يبدو في البداية حيث يمكن ملاحظة ديباجات الوزراء والمستشارين والسفراء وما الى ذلك ممن توافدوا باكراً الى الداخل قبل أن يختلط الحابل بالنابل ويقف مثل عدد الجالسين تقريباً طوال ساعات الاحتفال في وقت تقاسم فيه البعض الجلوس في مقاعد السفراء فلم يجد مجموعة من المسؤولين مكاناً للجلوس حتى الدستوريين منهم.

صالح صلاح صالح مستشار والي كسلا بموجب اقتسام السلطة الأخير وعضو اللجنة العليا للاستقبال التقيته واقفاً -على دستوريته- أثناء الاحتفال وعندما تحدثت إليه حول الأسباب الكامنة وراء اختيار هذه القاعة التي تضيق بالضرورة بمثل هذه الاحتفالات، قال نحن غير راضين بأن يكون الاستقبال في هذه القاعة وكنا نريده في الساحة الخضراء ولكن أقنعونا (ناس المؤتمر الوطني) بأن تقارير من الارصاد الجوي تشير الى احتمال هطول أمطار بقوة في وقت الاحتفال، قبلنا على مضض بأن يكون الاحتفال هنا، وعندما لاحظ صالح إنني ضحكت على نحو مكتوم قال «نحن ما مشكلة متعودين نقيف، المشكلة في إنو عندنا ضيوف كبار جايين وراء».

لافتات

دعونا نلقي نظرة عن قرب داخل القاعة، فقد كان هناك مئات الصور لموسى محمد أحمد ومبروك مبارك سليم وآمنة ضرار وعشرات الأعلام لجبهة الشرق و«4» لافتات فقط تمجد كلها د. آمنة ضرار وتصفها بصانعة المجد والسلام، وتقول إحدى اللافتات «سجّل سجّل يا تاريخ آمنة آمنة هي الصنديد»، البعض أرجع وجود هذه اللافتات دون غيرها بخبث الى بقاء آمنة لفترة طويلة بالداخل استطاعت معها مواكبة أساليب غيرها خاصة في المؤتمر الوطني بتجريد مثل هذه اللافتات، إلا أن لافتة حملها أحد أبناء الرشايدة كانت بها صورة موسى محمد أحمد ومكتوباً خلفها مرحباً بقائد التنمية والإعمار وقائد مسيرة الشرق. في وقت غاب أو غيب فيه علم السودان من الاحتفال!!

كان هناك متسع من الوقت قبل بدء الاحتفال استطلعت فيه ولاة ولايات الشرق الثلاث حيث اكدوا لـ «الرأي العام» بأن وصول جبهة الشرق يعني الكثير ويمثل مجيئهم يوماً تاريخياً يتوقع ان يعقبه خير كثير لأهل الشرق! كما أكدوا على أنهم سيتعاونون الى أقصى درجة مع قادة وممثلي جبهة الشرق من أجل مصلحة المواطنين هناك.

سألت ثلاثتهم عبد الرحمن الخضر، إبراهيم محمود حامد، محمد طاهر إيلا، ومعهم القيادي بجبهة الشرق عبدالله كنة عن احتمال بروز مشاكل بين القادمين والقدامى، فكانت إجابتهم أن عقب كل اتفاق تكون هناك حالة من عدم الرضاء من قبل البعض إلا أن الإرادة السياسية المتوافرة لإنفاذ السلام تقلل من أي آثار سالبة محتملة في هذا الاتجاه.

كانوا هناك

وزير ديوان الحكم الاتحادي عبد الباسط سبدرات الذي وقع الاتفاق الإطاري مع الجبهة في مايو من العام الماضي كان حضوراً في الاحتفال وبدا سعيداً جداً بمجيء قادة جبهة الشرق وقال لـ «الرأي العام» عندما وقعنا ذلك الاتفاق كان البعض يعتقد انه حبر على ورق والآن وبمجيء قادة جبهة الشرق جاء اليوم الذي ينزل الى أرض الواقع.

أما وزير المالية الزبير أحمد الحسن الذي تحدث الى «الرأي العام» فقد بدا سعيداً كذلك ونقل تهانيه عبر «الرأي العام» لأهل الشرق مؤكداً على استمرار العمل المشترك في الفترة القادمة وصولاً الى رفاهية أهل الشرق وتنميتهم وقال إن الكثير من البشريات ستظهر في الأيام القادمة بعد بدء الإنفاذ الفعلي لاتفاقية أسمرا.

وفي سياق آخر كان الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم يتحدث خارج القاعة للصحافيين عن أن السودان وبمجئ جبهة الشرق ودخولها في الحكم على هذا النحو الحقيقي يكون قد تغير وكسر احتكار نخبة الوسط لرئاسة الجمهورية وبدأ يكون السودان بلداً للجميع، ولم ينس باقان بالطبع أن يدعو المؤتمر الوطني لإنفاذ اتفاق الشرق وكل الاتفاقات الأخرى ويحذره من مغبة نقض العهود.

اللقاء خاطبه البروفيسور ابراهيم غندور رئيس اللجنة العليا للاستقبال، حيا فيه جميع الجهات التي أسهمت في الاستقبال بما فيها اتحاد نقابات عمال السودان، وخاطبه كذلك د. مصطفى عثمان اسماعيل الذي بشر باستشراف الشرق لمرحلة جديدة ملؤها السلام والاستقرار والتنمية بعد أن قال «نترحم على الشهداء والجرحى من الطرفين، بل هم في الحقيقة من طرف واحد هو السودان»، فانتزع بذلك التصفيق من الحضور الذين هيجوا القاعة بالتصفيق بمثلما جاء موسى للحديث من المنصة.

إعادة مشاهد

موسى قدم خطاباً سياسياً ضافياً لم يترك شيئاً فيما يتصل برؤية الجبهة وموقفها وما حملها الى حمل، السلاح وتوقيع الاتفاق وما تريده لنفسها ولأهل الشرق مستقبلاً على نحو نال رضاء نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه الذي أشاد برؤية الجبهة فيما يختص بقسمة السلطة والثروة والتنمية. وقال طه «مرحباً بالقادمين من جبهة الشرق باعتبارهم قوة دفع وإسناد وشركاء في الملعب السياسي ووضع القرارات فيه».

وعلى أنغام رائعة العطبراوي «أنا سوداني» أعاد طه رسم الصورة التي رسمها قبلاً مع د. جون قرنق، كما رسمها مجذوب الخليفة مع مني اركو مناوي حينما جاء الى الخرطوم في مثل هذه الأيام من العام الماضي وأمسك بيد موسى ولوح بأخرى للحاضرين، كما أعاد نفس المشهد مع مبروك مبارك سليم قائد الأسود الحرة في وقت تعذر فيه رفع يدي الاثنين معاً أو أي منهما مع د. آمنة ضرار!!

No comments: