Wednesday, August 15, 2007

المحاصصات القبلية في إتفاقية الشرق نهاية أزمة أم بداية فتنة؟

المحاصصات القبلية في إتفاقية الشرق نهاية أزمة أم بداية فتنة؟

هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء
تعد الصيف بقمح وكواكب نحن في احشائها ملح وماء
وعلى أحضانها جرح يحارب
محمود درويش
حسن ابوزينب عمر-الرياض*
ما كان مرادي ان أكتب عن أمر يشهد الله أنني تجنبته أكثر من مرة موثراً الانزواء على النفس والصمت بدلا من السخط والجأر بالشكوى وجلد الذات لما انتهى اليه مآل اتفاقية الشرق..جبل الآمال العراض الذي تمخض فولد فأرا ميتا وهو انطباع احسب ان الكثيرين الذين انهار على رؤوسهم سقف التطلعات يشاطرونني احساسه.. ففى المحصلة النهائية يبدو البجا الذين كانوا ضحايا الاستغلال الطائفي وتسلط حكومات المركز منذ ان انخرطوا في العمل السياسي عام 1958م وحتى حصدهم الرصاص العشوائي المجنون في يناير2005م اشبه ببطل اسطورة سيزيف الذي حكمت عليه الأقدار السرمدية ان يهبط الى قاع الجبل تحت وطء الصخرة ثم يحملها على كاهله المنهك ليبدأ رحلة الصعود مجددا، ولكنني من واقع نفس مقتت حالة اللاسلم واللاحرب التى تعتصرنا منذ سنوات آثرت ان أستوعب الاتفاقية مقروءة بالظروف الموضوعية الجاثمة على الأرض بأنفاسها الساخنة بدلا من التحليق على غيم التمنيات إذ لاتتناطح عنزتان على الدور المحوري الذي لعبه الوسيط الاريتري فى العمل العسكري تدريبا وتسليحا ولكن لا احد ايضا يغفل حقائق مجردة منها ان ذلك لم يكن حبا فى سواد عيون البجا وايمانا بعدالة قضيتهم بقدر ما كان تحقيقا لمصالح استراتيجية وتوازنات سياسية سعت من ورائها اريتريا من بين اسباب اخرى للخروج من عزلتها رغم انه لايملك صاحب قضية بطبيعة الحال ان يجلس القرفصاء ويطلب من الآخرين حل قضاياه...وحينما انبرى الكثيرون يفتحون النار على اريتريا ويتهمونها ببيع القضية البجاوية واستلام الثمن في رابعة النهار آثرت عدم الانزلاق فى هذا المستنقع سيما وان الاتفاقية لم تكن بطموح اهل الشرق.. فقد كان الأمل ان تأتى حاملة معها بعض ملامح نيفاشا بمشاركة في السلطة والثروة أكثر ايجابية بتحديد نسب ثابتة ومحددة فى ثروات الاقليم من ثروات معدنية وعائدات للموانئ والجمارك وموانىء تصدير البترول لمنطقة متوسط عمر رجالها لايتجاوز الاربعين عاما وتموت نساؤها الحوامل فى عمر الزهور بالانيميا وكان العشم ايضا ألا تذهب أدراج الرياح ارواح الابرياء العزل فى تلك المجزرة المشؤومة بجر القتلة الى قاعات العدالة حتى لايفلت من حاول تمزيق نسيج سلامنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية ولكن الاتفاقية جاءت خالية من هذه الثوابت تاركة البجا يقتاتون الصبر ويتحينون الفرص للانتقام لقتلاهم ومع ذلك فقد كان الخيار هو التشبث بحبال الصبر حتى الرمق الأخير.. ففى نهاية المطاف فانه وأمام تضارب المصالح لابد من الاقتداء بعقد اجتماعي social contract بتقديم تنازلات هنا وهناك، وحينما تناهى إلى أسماعنا المأزق الذي ادخل فيه المفاوضون أنفسهم والخلاف حول المناصب الدستورية كان السؤال لماذا الموافقة في المبتدأ على القسمة الضيزى والعراك لاحقا على النطيحة والمتردية وما أكل السبع منها؟ ولكن....كأن كل ذلك لايكفى حتى أتانا زلزال تقسيم السلطة بالمحاصصات القبلية بتخصيص 18 مقعدا للبجا و16 للبنى عامر والحباب و14 للرشايدة والباقي لقاطني اقليم الشرق ليعود بنا المشرِّعون مرة أخرى إلى المربع الأول الذي حسبنا ان القوم تجاوزوه بتوسيع مواعين المشاركة دون ان ندرك وقتها اننا كنا نتنكر لذاتنا ونهيل التراب على خصوصياتنا حينما اخترنا بكامل ارادتنا تذويب مؤتمر البجا فى هذا الهجين العجيب جبهة الشرق (سمك لبن تمر هندي)..ان اول ما يسترعي الانتباه في هذا التقسيم ان الكلام دخل الآن الحوش بهذه الدعوة الصارخة للناس بان انكفئوا على انفسكم وارتدوا الى قبائلكم وبلوا جبهة شرقكم واشربوا مويتها.. وثانيا ومن هذا المنظور الذي كدحت اليه الانقاذ كدحا عن سبق اصرار وترصد تكون قد حققت حلمها بدق إسفين في جسد العلاقة التي تصدعت مؤخراً بين القيادة ممثلة في القائد موسى محمد أحمد وجماهير البجا المحبطة بعد القبول بهذا الحصاد البائس الذي لا أرضاً شق ولا ظهراً أبقى ... وبوضع الحروف على النقاط فان الحصيلة النهائية وقعت على جرح الشريكين الآخرين وجاءت اجحافا وحيفا وسوء كيل للبجا من البشاريين شمالا الى الهدندوة جنوبا مرورا بالأمرأر..ولا أدري مبررات اتكأ عليها المشرعون لاختيار هذه النسب التي تتقاطع كلية مع الحقائق الديموجرافية والتاريخية والسياسية والتي هي كتاب مفتوح للقاصي والداني.. من الذي لعب دور أبوموسي الاشعري وحجم بهذا العطاء الكسيح البجا.. لن نذهب بعيدا فكما جرت العادة فان اصابع الاتهام الاولى تشير الى الحكومة المسكونة دوما بهاجس ان العدالة فى توزيع السلطة والثروة لشعبها هو بالضرورة انتقاص لحقوقها تحت الارتهان لفوبيا الاستهداف المسيطر عليها تنشط اجهزتها تجاه تفتيت الخصوم وتمزيق أوصال الآخر الذي هو دائما رديف وليس شريكاً بخلق كيانات موالية كما شاهدنا في مسرحيات أحزاب التوالي...العين لن تخطئ ما انتهت اليه الاحزاب السياسية التي تحولت تحت آلة الترغيب والترهيب إلى شظايا من الجماعات المتناحرة وهو أمر سيأتي خصما على التجربة الديمقراطية وتداول السلطة مستقبلا وكان الشريك (الحركة الشعبية) قد انتبه الى مسمار جحا هذا المتمثل في مجموعة باولينو فطالب بالنص صراحة فى اتفاقية نيفاشا على ان تقرر هذه الجماعات مصيرها علي طريقة عادل امام (يا ابيض يا اسود) اما بالانخراط في صفوف الجيش السوداني او بالذوبان في جيش الحركة الشعبية...الحريق الذي يشتعل الآن هو حصاد طبيعي للمقولة الشائعة (الذي يزرع الريح لن يحصد سوى العاصفة) وهو ثمرة لاعادة صناعة الأزمات التي اشتهرت بها النخب السودانية وبلغت ذروتها فى الانقاذ...شعوب زاهدة في السلطة كان كل حلمها حكما ذاتيا ولكن العنف والاقصاء ورفض الآخر انتهى بها الى المطالبة بتقرير المصير وها هو فصل جديد من العزلة والعقوبات وتهديدات بالتدخل الاجنبي ينفتح في دارفور مما يعني بان هذه الكيانات تنحدر من سلالات ملوك البوربون لاتقرأ وإذا قرأت لاتفهم..كم تمنيت ان تفتح الحكومة صدرها وتكون اكثر كرماً مع أهلنا في غرب السودان بزيادة جرعات المشاركة والتعويضات اذا كان ذلك يدرأ مخاطر تدخلات اجنبية نعرف سلفا عبثية مجابهتها بحناجر المتظاهرين.. ما نشاهده اليوم فى هذه المحاصصات القبلية لتوزيع حقيبة السلطة فى شرق السودان هو نتاج للنفس الامارة بالتفتيت والتمزيق والتشتيت.. ولكن لماذا تنشط الحكومة لفتح جبهة جديدة من العدائيات والسخط في شرق السودان بالتعامل مع قضايا المشاركة فى السلطة والثروة بالقطعة؟.. ألا يكفيها ما فيها من جراح غائرة فى دارفور؟ الاجابة انها هذه المرة لن تكون طرفاً في الشحناء والبغضاء حينما يمسك الرابحون والخاسرون من هذا التوزيع بخناق بعضهم البعض بتهمة تغول الآخرين على حقوقهم وممتلكاتهم الموروثة من غابر الزمان والبعض الآخر بالكنكشة على المكتسبات الجديدة وشعاره "انج سعد فقد هلك سعيد".. انها اذن الحرب بالوكالة.. وقتها ستكتفي الحكومة بالفرجة ولسان حالها يقول (اشغل اعدائي بانفسهم وابليهم ربي بالمرج) والخوف كل الخوف ان ينساق ضحايا هذا التوزيع الظالم للفخ المنصوب بدلاً من رص الصفوف واعداد العدة للانتخابات القادمة حينما يواجهون معارك ضارية امام احزاب وتنظيمات مسلحة بالثروة والسلطة والخبرة والاعلام هذا هو التحدي المطروح وهنا مربط الفرس.

No comments: