Friday, July 6, 2007

البجا وآليات حفظ السلام والضبط الاجتماعى

البجا وآليات حفظ السلام والضبط الاجتماعى
وفق قوانين العرف والادارة الاهلية ‎ ‎‎
إعداد الأستاذ| جعفر بامكار
باحث فى تراث وتاريخ البجا

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:
اى مجتمع من المجتمعات الانسانية فى حاجه ماسة وضرورية لاليات لحفظ السلام والضبط الاجتماعى وذلك لتقليل الصراعات ودواعى الفتنن والحروب والا فان هذا المجتمع سوف يتحلل ويضعف ويفنى بالحروب ولن يستطيع ان يتمكن من الحياة والعيش فى سلام ووئام وامان وكذلك لن يتمكن هذا المجتمع الذى لاتتوفر له هذه الاليات من توفير البئية والاجواء المناسبة لكسب العيش والازدهار الاقتصادى والثقافى وبدون ذلك لن تتوفر له حضارة او تعزيز للثقافة . ولذلك فان الاليات حفظ السلام والضبط الاجتماعى تصبح ضرورة حياتية لا مفر منها وهذه الظاهرة ظاهرة انتاج المجتمع لهذه الاليات نجدها بين كل الشعوب فى العالم بلا استثناء قديمها وحديثها وان كانت هذه الاليات باشكال مختلفة وبدرجات متفاوته من الفاعلية والنجاح او الفشل والعجز وكذلك الامر بالنسبة لشعب البجا وقبائله بشرق السودان عبر تاريخهم القديم والحديث.
1- تعريف:
من هم البجا:
شعب البجا يعتبر من اقدم الشعوب السودانية التى عاشت منذ اقدم العصور فى المنطقة الواقعة جنوب مصر وشرق النيل حتى سواحل البحر الاحمر ومن منطقة اسوان بجنوب مصر وحتى مصوع بالاراضى الاريترية وينتشرون حالياً بولاية كسلا والبحر الاحمر وغرب وشمال ارتريا وباعداد اقل فى ولاية نهر النيل وولاية القضارف وبالصحراء الشرقية بجمهورية مصر العربية.
منذ القدم عرف البجا باسماء مختلفة عبر العصور ولكن حالياً ينقسمون لمجموعات قبلية هى:
- الهدندوة
- الأمرار
- البشاريون
- الحلنقة
- الارتيقا
- البنى عامر
- الحباب
- الاشراف
- الكميلاب
- الشعياياب
- الحسناب
وتتحدث معظم قبائل البجا لغة التبداوى ويتحدث اغلب البنى عامر والحباب لغة التقرى وهما لغتان مختلفتان فالاولى حامية والاخرى سامية.
3- اريخ البجا باختصار:
تاريخ البجا تاريخ موغل فى القدم فقد عاصروا دول الفراعنة والبطالسة والرومان والاكسومين والعرب والاتراك والبريطانين والدويلات المسيحية ببلاد النوبة بشمال واواسط السودان وكانت لهم مواقع وحروب واحداث مع كل هذه الدول وهم وبحكم مجاورتهم لساحل البحر الاحمر واتصالهم بالعالم الخارجى ولوجود الذهب بارض المعدن ببلادهم كانوا دائماً عرضة للاطماع والتدخلات الخارجية من القوى الاجنبية بجانب ماتعرضوا له من حروب دينية فرضت عليهم من المسيحين والمسلمين على حد سواء وقد دافع البجا عن الهتهم ومعتقداتهم الوثنية التاريخية .
4- عادات وتقاليد البجا:
للاسباب الى ذكرناه تعرضة منطقة البجا للتدخلات والاطماع والغزوات الخارجية ولعدم وجود الدولة المركزية القوية التى تفرض النظام والقانون لفترات طويلة من تاريخ البجا فان ظروف قد اقتضت ان يكون شعب البجا مقاتل بالضرورة فلذلك فهم يهتمون بالسلاح وادوات الحرب ويكونون دائماً على استعداد لمقاتلة العدو الخارجى واحياناً مقاتلة بعضهم فى شكل قبائل متنافسة على الزعامة او على المراعى والاراضى ولذلك فهم يعلون ويعظمون من قيمة الشجاعة والفروسية والبسالة والدفاع عن القبيلة ولديهم اعراف وتقاليد متعلقة بمسالة الحروب والقتال لايسمحون لاحد منهم ان يتجاوزها والا لحق به العار للابد وفى ثقافتهم ايضاً وفى اشعارهم ومقطوعاتهم الموسيقة واغانيهم يمجدون صفات القتال ويزمون الجبن والغدر والتخاذل عندما تحين ساعة المعركة .
البجا يعزفون على الربابة التى سمونها الباسنكو ومقطوعات من الموسيقى البحته المتوارثة والتى لها اسماء محددة وهذه المقطوعات تعزف للتعبئة للقتال والحرب ، البجا ايضا لايحترمون الرجل الاعزل من السلاح لذلك تجد تقاليدهم الراسخة حمل السلاح دائماً .
5/ دواعى القتال والحرب عند البجا عبر التاريخ:-
1) محاربة الغازى الطامع فى الارض والثروات.
2) غزو البجا لبدو للمناطق الحضرية بجنوب مصر وبلاد النوبة وذلك للسلب والنهب عندما تضيق بهم سبل الحياة بمناطقهم المعرضة للمجاعات من حين لاخر.
3) التصدى للغزوات ذات الطابع الدينى وذلك دفاعاً عن الهتهم الوثنية التاريخية وهذا ما حدث عند حروبهم للاكسوميين والنوبة والرومان والعرب.
4) الحرب دفاعاً عن الاوطان والاراضى والمراعى من توغل القبائل البجاوية المجاورة لها لأن لكل قبيلة بجاوية اراضى معروفة لايسمح لاحد ان يدعى ملكيتها او يقوم بالاستفادة منها دون موافقة القبيلة المعنية ، وهذه هى طبيعة الحروب الاهلية الداخلية لدى البجا.
5) الحرب والقتال بسبب السرقات التى يقوم بها قطاع الطرق والهمباته خصوصاً سرقة المواشى وعلى راسها الابل التى تعتبر الثروة الكبرى عند البجا.
6) الحرب والقتال بسبب النساء دفاعاً عن العرض واحياناً انتقاماً وثاراً لاشخاص قتلوا من القبيلة لسبب او اخر.
7) الحرب والقتال بسبب التعدى على المزروعات من قبل اشخاص او من قبل المواشى وتخريب هذه المزروعات.
8) موخراً حرب ذات دوافع سياسية ضد الدولة المركزية وهذه الحروب الاخيرة هة الاولى من نوعها فى تاريخ البجا من حيث دوافعها واساليبها ووسائلها وهى تتميز بتعقيدات كبيرة من حيث مفهومات الثقافة البجاوية رغم ذلك فان هذه الحروب لم تبتعد كثيراً عن قواعد الحرب وقوانينها المنعارفة عند البجا وهذه القواعد تمنع وتحرم حرق البيوت والممتلكات او قتل النساء والشيوخ والمرضى والضعفاء ومقاتلة الاعزل من السلاح واساءة معاملة الاسرى ودفع المواطنين العذل المسالمين لمغادرة اراضيهم واغتصاب نسائهم او مصادرة مواشيهم وهكذا فلا يمكن باى من الاحوال مقارنة حرب شرق السودان ضد الحكومة المركزية بحرب الجنوب او دار فور ففى الشرق كما ذكرنا فان الحرب محكومة بقواعد واعراف راسخة وهذا ما لفت نظر المراقبين المحليين والخارجيين وكان مثار اعجابهم واستغرابهم وبالفعل لقد اتصل بى عدد منهم خصوصاً الخواجات ويطلبون تفسيراً لهذه الظاهرة وهم معذرون لعد المامهم بعناصر الثقافة البجاوية.
6/ اليات حفظ السلام والضبط الاجتماعى:
رغم ان البجا لم يعرفوا الدولة المركزية القوية لفترات طويلة من تاريخهم وعانوا من غياب النظام والامن مما جعل هاجس الامن حاضراً فى فكرتهم ومشاعرهم ولذلك انشأوا إدارات اهلية منذ القدم يكون راسها زعيم قوى يصل الى السلطة عن طريق الوراثة وليس الانتخاب ويعاونه مشايخ وحكماء من اعيان القبيلة ويصدورن احكامهم وفق القوانين العرفية المتوارثة لديهم والادرات الاهلية كالاتى:-
Ø ناظر الهدندوة.
Ø ناظر الأمرأر.
Ø ناظر البشاريين.
Ø ناظر الحلنقة.
Ø ناظر البنى عامر.
Ø ناظر الحباب.
Ø عمدة الارتيقة.
Ø عمدة الكميلاب.
Ø عمدة الاشراف.
Ø عمدة الشعياياب.
Ø عمدة الحسناب .
لكل من النظار المذكورين اعلاه شيوخ خطوط اى شيوخ ينوبون عن الناظر فى مناطق محدودة وقد يكون للناظر وكيل او وكلا لبعض المناطق . وبجانب هولاء هناك العمد والمشايخ لبطون القبيلة المختلفة . هناك ايضاً بجانب الناظر ووكلائه وشيوخ الخطوط والعمد والمشايخ اللذين يشرفون على الشئون الادارية والعلاقات مع الدولة والاجهزة التنفيذية ، هناك قضاة يحكمون بالقوانين والاعراف البجاوية . فى العقود الاخيرة اصبح بعض البجا يلجأون الى المحاكم المدنية والجنائية والشرعية وخصوصاً بالمدن وذلك نتيجة لهجرتهم الواسعة للمدن وارتباطهم بها وقد دفعهم لهذه الهجرة الاوضاع المأساوية المتدهورة بالارياف نتيجة للجفاف والتصحر وعدم التنمية والرعاية من قبل تلدولة . الجدير بالزكر ان النظام الادارى والقضائى عند البجا كله وراثى ولا يخضع للانتخاب.
7/ ملامح القانون العرفى عند البجا:
هذا القانون متوارث عبر الاجيال ويخضع للسوالف بمعنى ان حدثت قضية متشابهة حالياً لقضية سابقة صدر فيها حكم معين فان ذلك الحكم ينطق على القضية الجديدة. رغم ان القانون العرفى غير مدون لان لغة البجا لم تكتب حتى الان الا ان البجا اقوياء الذاكرة ويحفظون عن ظهر قلب الكثير من بنود هذا القانون فالمحاكمات دائماً علنية وتكون فى شكل مجلس مفتوح يحضره رجال الادارة الاهلية وقضاة المحاكم الاهلية وعامة الناس بجانب المتقاضين وكل من حضر من حقه ان يدلى برأيه ويشارك فى المداولات. دائماً تنتهى هذه المحاكمات التسويات التى ترضى كل الاطراف. ظاهرة المجلس لحسم القضايا والمنازعات شئ مقدس ومحترم لايسمح بالتويش عليه بل من الكروه والمعيب مقاطعة المتحدث قبل ان ينتهى من كلامه . ايضاً من مميزات القانون العرفى عند البجا ان النساء لايحضرون مجالس الرجال ولا تحاكم المرأة وفق هذا القانون وان كانت مذنبة . ايضاً من مميزات هذا القانون عدم توريث المرأة للارض وان كان مسموحاً لها وراثة اى شئ من الممتلكات الاخرى.
بعد قيام الدولة المركزية الحديثة بالسودان اصبحت هناك قضايا خارج طاق القانون العرفى وهى جرائم الجنايات الكبرى كالقتل ولا تتدخل الادارة الاهلية فى هذا الشان الا بعد صدور حكم المحكمة وذلك لاجراء التسوية ودفع الديات وتشجيع اهل القتيل للعفو.
كذلك فى العقود الاخيرة تعرضت الادارة الاهلية لهزات عنيفة منذ صدور قرار حل الادارة الاهلية ايام النميرى ثم اعادتها مرة اخرى ولكن بعد ان لحق بهذه الادارة اذى معنوى كبير افقدها هيبتها وقدسيتها كذلك صدرت مؤخرا قوانين منظمه للاداره الاهليه واعطت لها بعض الصلاحيات وتم تخصيص مرتبات وحوافز ودعومات للعاملين فى مجالها .
رغم ذلك فان الادارة الاهلية وبحكم التطورات السياسية والثقافية والحراك الاجتماعى اخذة فى الضعف والاضمحلال ورغم ذلك فهناك دور تلعبه لما لها من اعتبار رمزى ومعنوى عند افراد القبيلة خصوصاً فى الارياف .
اهم المشاكل التى تتدخل فيها الادارة الاهلية مشاكل المنازعات حول ملكية الاراضى وكذلك قضايا الدماء مادون القتل ومشاكل التعرض للنساء والسرقة وتخريب المزارع والاساءات خصوصاً من الشعراء . معظم الاحكام فى مثل هذه القضايا تنتهى دائماً بتسويات المالية على حسب سوابق القانون العرفى . من الملاحظ ان القانون العرفى عند البجا يلتقى احياناً مع احكام الشريعة الاسلامية واحيانا يختلف كما ذكرنا بخصوص عدم توريث النساء للاراضى وعدم اقامة الحدود الشرعية فى حالة السرقة والزنا وغيرها وعدم تجريم المراة وان اذنبت .
اهم ميزات هذا القانون ظاهرة المجلس : وهى الية ديمغراطية على ارفع مستوى تتيح لافراد المجتمع فرصة المشاركة فى النقاش والمداولات والتمهيد للخروج بافضل تسوية ترضى جميع الاطراف .
قديما كان البجا يطلبون من الشخص الذى ينكر الجريمة ان يلحس قضيب من الحديد الساخن بلسانه فان احترق لسانه فهو كاذب ومذنب وان لم يحترق فهو صادق ولكنهم اقلعوا عن هذه العادة ولجأوا لشهادة الشهود والقسم على المصحف الكريم.
فى جرائم القتل قديماً يلجأون لقتل القاتل او العفو عنه واخذ الدية بشرط نفى القاتل من المنطقة التى ارتكب فيها جريمته .
البجا فى تاريخهم القديم لم يعرفوا السجون ولكن قوانين الادارة الاهلية مؤخراً اعطتهم الحق باصدار احكام بالسجن لفترات قصيرة وفى هذه الحالة يسلم المحكوم عليه لادراة السجون لتمضية فترة حكمه .
فى العقود الاخيرة وبعد الهجرات الواسعة للبجا نحو المدن اصبح فى امكان البجاوى ان يلجا لمحاكام الادارة الاهلية ان شاء او يلجا للمحاكم المدنية والشرعية والجنائية الحديثة .
البجاوى الريفى فى الغالب يفضل محاكم الادارة الاهلية لانه يعلم ان هذه المحاكم سوف تؤدى به التسوية مرضية وكذلك يلجأ اليها لتفادى البطء فى التقاضى عند المحاكم الحديثة وكذلك لتفادى تكاليف المحامين الباهظة بجانب معاناته من حاجز اللغة الذى يمنعه من الافصاح تماماً بشكواه.


الرئيسية عن الجمعية إتصل بنا دراسات وبحوث إصدارة بداويت قواميس صور من الثقافة أغاني شعر مناشط الجمعية تقويم وْ أقْيَ دَبَلُوّابْ منتدى

Home About us Contact Us Research & Studies Periodical Dictionaries Cultural Photos Songs Poem Activities Calendar Forum

No comments: