Thursday, July 5, 2007

إتيمولوجي الإسم: بجا

إتيمولوجي الإسم: بجا
‎ بقلم الأستاذ/ محمد أدروب محمد


في دراستنا لتاريخ شعوب المنطقة المتاخمة للبحر الأحمر من الساحل الإفريقي نجد ان بعض سكانها قد اطلق عليهم في مراحل من تاريخهم اسم (بجا)، وإن الاسم (بجا) لم يكن هو الاسم السائد على هؤلاء في كل العصور. وإن الاسم، وكما يتضح من تلك الدراسة، كان عرضة للتغير بحسب تغير الأمم التي كان لها صلة بهم، وإن كانت تلك الأسماء لم تكن لتغير من حقيقة وضعهم في المنطقة.
ويرد انه قد اطلق اسم "كوش" و"الكوشيين" على المنطقة وسكانها في مرحلة من مراحل تاريخها(1).
وقد ورد اسم (تروقلوديته) - وتعني: ساكني الكهوف- لبعض سكان المنطقة في بعض المصادر(2)
واليونان قد اطلقوا اسم (اثيوبيين) على جميع بلاد السود وشديدي السمرة. وقدماء الرومان قد اطلقوا اسم ال(بلامس) على سكان الصحراء الشرقية(3).
لقد حاول الكثير من الباحثين معرفة أصل لفظة (بجا)؛ ودارت في الفترة الماضية حوارات طويلة حول البجا، ثقافتهم، أصولهم وتاريخهم، وقد كان لاسم تلك القبائل: "بجا " نصيب من تلك الحوارات.
ورأى البعض أن لفظة (بجا) ترجع إلى اللفظ الفرعوني القديم "أبشا" بمعنى: ساكن الصحراء أو البدوي، وبعضهم قال أنها مشتقة من الفرعونية "بجا" وتعني: المحاربون. ويري بعض آخر ان الاسم (بُجَا) او(بُجَه) بضم الباء وفتح الجيم أصله اللغة العربية، ويرجع أصله إلى اللفظة العربية " بداة" ومفردها "بدوي"؛ وهو أمر، وكما يري هؤلاء، له ما يبرره من التاريخ والمنطق.
ويري هؤلاء، من ناحية، ان سبب تحول الكلمة إلى "بِجة " أو " بِجا "- بكسر الباء بدلا عن الضم- يرجع إلى (خطأ استخدام بعض الكتاب الإنجليز أمثال "كروفورد" و"بول" لكلمة: "Beja" بدلا عن "Buja" إذ يرون ان الكتاب الإنجليز لم يراعوا، أو بالأحرى غاب عنهم النطق الصحيح لكلمة "البـُجاة" ذات الأصل العربي مُشَّكلة بالضم والفتح والسكون).
ومن ناحية اخرى يرى هؤلاء (أن لفظة البـُجة "بضم الباء وفتح الجيم" اختصارا للكلمة الأصلية "البجاة" ليس لها أي معنى في لهجة "التبداوى" ولا لهجة "التقر" وهما اللهجتان الرئيسيتان المستخدمتان من قبل عموم البجا). ومن ناحية ثالثة فانهم يرون (أن صوت الجيم وصوت الدال يتبادلان في اللغات ويلاحظون أن الجيم في لهجات صعيد مصر وشمال ووسط السودان تقلب أحيانا إلى دال كما هو في "الديش" بدلا عن "الجيش")؛ وصولا إلى (أن البجا أنفسهم يقومون بإبدال الجيم محل الدال). وهذا، في رأيهم، (ما حدث تماما لكلمة "البداة " حيث أستبدل الجيم بالدال فتحولت الكلمة من "البداة " إلى "البجاة")(4).
إذن فإن ما يجري نقاشه هنا هو "إيتمولوجى" الاسم (بجا)(5)، وكما يقول علماء اللغويات فإن أل" إيتمولوجى" هو علم: (دراسة أصل وتاريخ الكلمة من حيث مبناها ومعناها) أي أن ذلك مبحث في الاسم من حيث صوتياته ومن ناحية معناه ومن ناحية مصدره ومن ناحية تاريخه.
غير الملاحظ هو ان الموسوعة البريطانية(6) وفيما أوردته عن البجا، تقول: "Beja: Arabic: Buja " ويقول نعوم شقير [1863-1922] ما نصه(7): (وأما البجة "أو البـُجا أو البيجة أو البُجاة" فهو الاسم الذي عرفوا به عند مؤرخي العرب في صدر الإسلام).
بداية نلاحظ انه، وإذا لم تكن هنالك فكرة مسبقة تقود هؤلاء، فمن الواضح ان الاسم (بجة)- بكسر الباء- هو أحد صور الاسم التي وردت في التاريخ، وهو أحد صور الاسم محل نقاشنا هنا، وأنه ليست هنالك (مؤامرة غربية) على ذلك الاسم وانه لا دخل للكتاب الانجليز في الامر إذ أن الإسم من حيث وروده يسبق هؤلاء الكتاب بمئات السنين.
ومن ناحية اخرى وكما هو واضح، ايضا، فان هؤلاء يعرفون ال "بذاويت" وال "تِقر" بأنها لهجات(8)، وهذا مدعاة لنقاش آخر حول ماهية اللغة وماهية اللهجة.
وفيما أرى فإن التعريف او المعيار القائل بأن اللغة هي ما كان مكتوبا واللهجة هي ما لم يكن مكتوبا من الكلام إنما هو تعريف قاصر، وأرى أن ينبني التعريف/ المعيار على محمولات اللغة المعينة من صوتيات وقاموس الفاظ وقواعد وصرف وآليات وطرق اشتقاق للألفاظ مما يوفر قدرة على البلاغة والطلاقة في البيان. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى ان يستصحب المعيار قدرة اللغة، من خلال كل ذلك، على كفاية الناطقين بها في معاشهم.
والمعروف هو أن كل اللغات المكتوبة الآن قد مر بكل منها وقت لم تكن قد كتبت فيه، وهذا لا يغير شيئا من أنها كانت لغة وإن لم تكن قد كتبت وقتها، وأن الكثير مما ليس مكتوبا بعد هو لغات لا يغير شيئا أنها غير مكتوبة، فأن تكتب اللغة- أي لغة- أو لا تكتب، إن ذلك ليس شأنا متعلقا باللغة كلغة بقدر تعلقه بحملة تلك اللغة والمتكلمين بها والمهتمين بأمرها، جديتهم ومجهودهم في ذلك، فإذا أرادوا كتبوها وإلا فلا، ذلك بغض النظر عن الرموز التي يمكن أن تكتب بها اللغة.
من كل ذلك اخلص إلى أن البذاويت لغة وليست لهجة، ففي البذاويت أسس لقواعد وأسس لصرف جعلت للغة قدرة على امتصاص مئات الألفاظ من لغات أخرى ورضخها لكل ذلك، ومن ثم إعادة اجترارها وكأنها من قاموسها الأساسي. وباللغة أسس لبلاغة وبها نظام عددي ذو سمات واضحة ومتميزة، وثروة من قاموس لمختلف الأسماء وتعدد ملموس في ادوات التعريف فيها.. الخ، إضافة إلى كل ذلك بعض اختلافات المتحدثين بها فيما هو لهجات داخلها.
وقد عبر البذاويت بلغتهم هذه لعدة آلاف من السنين مكتفين بها وحدها؛ عبروا بها في أفراحهم وفي اتراحهم، في حربهم وفي سلمهم وفي مجالس حكمائهم الشهيرة التي استلهمت أعرافهم في حل اعوص مشاكلهم؛ كما عبروا بها في شعرهم الذي لمس مختلف خلجاتهم. في جملة واحدة: في كل أوجه حياتهم، ولا يغير شيئا انها غير مكتوبة.
أما عن ال "تقر" فيعرفها كتاب [مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن] على أنها (أحد اللغات السامية الحديثة في أثيوبيا)(9).
وفيما يتعلق بنقاشنا حول الاسم ( بجا) أرى أن اصحاب هذا الرأي قد استسهلوا الاسم (بُجاة)– بضم الباء- أو ان ذلك الاسم قد راق لهم، وذلك لسهولة تخريجه للوصول إلى (بُداة)-ومفردها بدوي- لمحاولة إثبات عروبة الاسم. ولكنهم بذلك يسعون للتخيف على انفسهم بتحاشي قضية نقاش الاسم (بِجة)- مكسور الباء- بل وينكرون عروبته ويعزونه للكتاب الانجليز؛ فالاسم (بجة)- بكسر الباء- يصعب تخريجه لغويا ليحتمل المعنى (بداة) بمعنى: بدو. أما الاسم (بيجة)- بالمد بياء بعد الباء- فيسقطونه من النقاش تماما !.
وبما أن الذي يقال هنا هو أن الاسم كان "بداة " بالمعنى الموضح فإننا نتساءل اولا: في أي مصدر من مصادر التاريخ ورد ذلك النطق " بُداة " للاسم ثم قصد به على سبيل الحصر المجموعة التي هي محل النقاش ؟.
وكما سبق فان هؤلاء يعتمدون علي فكرة تقول بان البذاويت احيانا يبدلون الجيم في كلامهم بدال، وانهم قد بدلوا دال (بداة) بجيم فاصبح الاسم "بجاة". وتبدو تلك الفكرة "فكرة ابدال الجيم بدال" فكرة مستساغة، وهي بعد من "المشهور والمستقر" عند الكثيرين، وهو مستقر فقط لأنه مشهور؛ ولكن ما هو مدى صمود هذه الفكرة عند اختبارها وبموجب اللغة؟.
إنه من المناسب هنا توضيح أن منهج بحثي هذا هو عرض كل ما تعلق بالبذاويت على لغتهم وواقعهم الثقافي، بحيث أن ما لا تقبله تلك اللغة، مقوماتها وتراكيبها، أو ما لا يقبله واقعهم من روايات أو قصص شعبي أو أسماء .. الخ، فالمنهج يرفضه من حيث المبدأ. والذي تقبله اللغة، أو ذلك الذي لا تقطع فيه برأي بالرفض، فذلك يقبله المنهج ويناقشه. وعند تحليل الاسم محل النقاش، وكما ينطقونه في الواقع المشاهد، فالحقيقة الواضحة هي أن الحرف التالي للباء ليس هو حرف الدال المعروف، بل هو حرف مختلف؛ والبذاويت -اللغة- تعرف صوت او حرف الدال، وإلى جانب صوت الدال فإنها تعرف صوتا آخر شبيه بالدال في نطقه مع اختلاف، إذ ينطق بوضعك طرف اللسان مثنيا قليلا للوراء على سقف الحلق ووراء الأسنان مباشرة، أو بضغطك طرف اللسان في الموضع المذكور(10)(Retroflex). والاسم محل النقاش، وحسب ما تنطقه القبائل نفسها، تركيب بهذا الحرف الذي وضحنا كيفية نطقه، وهو الأمر الذي لا يريد هؤلاء أن يروه.
وصحيح القول بأن الجيم والدال يتبادلان في اللغات، فهل الجيم والحرف المذكور يتبادلان في اللغات؟
ثم ان هؤلاء يوردون ان "مجموعة صغيرة" من البذاويت (تسمي نفسها حتى اليوم " بُدا"- بضم الباء وبالدال بدلا عن الجيم)، ويوردون قول الموسوعة البريطانية، أو قولهم عن تلك "المجموعة الصغيرة": (وهم يعيشون حياة بداوة صرفة ولا يميلون إلى الاختلاط بغيرهم من القبائل ويتحدثون "التبداوى"). وكأن الذي يقال هنا هو أن هؤلاء يأبون الاختلاط ببقية القبائل ولكنهم اختلطوا بالعرب فأخذوا منهم الاسم !؟.
ثم ما هي دلالات قولهم أن البذاويت، وللآن، لا يعرفون الاسم (بجا) أو أيا من صيغه؟. ويوردون، وبحق، (إنك لا تجد من الناس العوام من يقول لك أنه من البجة إذا سألته عن قبيلته)؛ وهم يعزون ذلك إلى كون ان البذاويت (ينتمون إلى قبائل حديثة التكوين نسبيا خرجت من أصلاب البجا الأولين) .. وذلك إلى نقاش.
ويرى هؤلاء أن اللغة العربية تتميز من غيرها من اللغات بحركات الضم والفتح والكسر والسكون، الأمر الذي يشير إلى أن اللغة الإنجليزية لا تعرف حركات الضم والفتح..الخ، وفي ذات الوقت يوردون ما اوردته الموسوعة البريطانية عنهم، فقد ورد فيها "Beja" و"Buja " فإذا لم تكن تلك حركة كسر وحركة ضم فكيف تكون الحركات إذن؟.
ولعل المقصود بذلك هو العلامات: الكسرة والضمة والفتحة.. الخ، وليس الحركات. وفي ذلك فإن لكل لغة آلياتها لتوضيح حركاتها، فالإنجليزية توضح حركاتها بحروف الحركة فيها "Vowels" والعربية توضحها بالتشكيل أساسا، فنقول: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعة الضمة، أي أن الحركة هي الرفع والعلامة هي الضم؛ وقد تكون الحركة جرا ولا تكون العلامة كسرا، فالاسم المفرد يجر بأدوات الجر، وبغيرها، وعلامة جره الكسرة، وقد قيل:

( وجُر بالفتحة ما لا ينصرف ما .... لم يضف أو يكُ بعد " أل " ردف )

أي أن الحركة هي الجر والعلامة الفتحة بدلا عن الكسر، وذلك فيما يتعلق بالاسم الممنوع من الصرف؛ وقد تكون الحركة رفعا وتكون العلامة ألفا بدلا عن الضم كما في حالة المثنى أو واوا في حالة الجمع.
ورغم عدم موافقتي على أن اللغة العربية تتميز من غيرها من اللغات بالحركات، إلا أنني أوافق تماما رأيهم القائل ما معناه أن الكتاب الإنجليز لا يعرفون اللغة العربية بالقدر الكافي حتى يكتبوا حولها؛ وإذا كنا نشترط دراية بأصول اللغة العربية للكتابة حولها، وذلك لا شك صحيح في شأن اللغة العربية، لكنه صحيح أيضا، وبنفس القدر، في شأن البذاويت .. وكل لغة.
ومن ملاحظاتنا، حول الاسم "بُداة"، فاننا نلاحظ ان اسم مذكر إذ تقول: "البداة رحلوا أو سافروا"، والاسم "بذاويت" اسم مؤنث والتاء الأخيرة فيه تاء تأنيث، ويعرفونه (تُ بِداويِ) بإضافة تاء تعريف الاسم المفرد المؤنث؛ فمن اين جاء التأنيث للاسم إذا كان مصدر الاسم هو اللغة العربية؟ ثم ما هو موقف البذاويت من الأسماء التي استعارتها من اللغات الأخرى من حيث تذكير تلك الأسماء وتأنيثها، سواء كانت تلك الأسماء من أسماء الحضارة أو من أسماء العبادات وطقوسها؟.
هذا هو أحد مواطن ربط المسائل ببعضها والتمعن في علاقاتها مهما بدا ذلك بعيدا لنظرة الوهلة الأولى.
واللغة العربية لا تعرف التمييز في أداء أداة التعريف، بمعنى أنها تُعرف الاسم- مفردا كان أم مثنى أم جمع، مذكرا كان أم مؤنثا، فاعلا أم مفعولا– بالألف واللام؛ في حين أن بالبذاويت أدوات متنوعة للتعريف تُعملها في الأسماء بشروطها، فالاسم طويل الصوت يأخذ أداة قصيرة الصوت والعكس بالعكس، والاسم الفاعل يأخذ أداة مغايرة لتلك التي للمفعول، والاسم المذكر له أداة تعريف تختلف عن تلك التي للمؤنث مفردا أو جمعا .. وهكذا. بذلك فان البذاويت يتحدد فيها نوع الاسم اي مذكر هو ام مؤنث، وافراده او جمعه، وموقعه في الجملة اي فاعل ام مفعول بموجب اداة التعريف التي تسبقه.
في ذلك دعنا نوضح هنا أن الأسماء في أغلب ما تعلق بالعبادات عند البذاويت اليوم واضح أن مصدرها اللغة العربية، فهم يقولون: (تُ دَكَ) للزكاة، و(تُ رِكْءَ) للركعة، و( تُ قِـبْلَ) للقبلة، وهذه أسماء مؤنثة في لغتها الأم، والملاحظ أنها قد أنثت في البذاويت بدليل تاء تعريف الاسم المؤنث التي سبقت كل اسم. ويقولون: (أُ وَدَ) للوضوء، و(أُ جامْءَ) للجامع، و(و أدانْ) للأذان، و(و هِجْ) للحج- الواو أداة تعريف للاسم المفرد المذكر في حالة من حالاته- والأسماء التي ذكرناها أسماء مذكرة في اللغة العربية ذكرت في البذاويت. ويقولون: (أو كتاب): الكتاب، (أو سُوق): السوق، (أ قَلَمْ): القلم وهذه أسماء مذكرة في اللغة العربية وذكرت في البذاويت بدليل أداة التعريف. ويقولون: (تو سْءَ): الساعة، (تُ ورقْ): الورقة، (تُ كُورَ): الكرة وهذه أسماء مؤنثة في لغتها الأم مؤنثة في البذاويت.
إذن فالواضح، وبالنتيجة، أن البذاويت وككل اللغات تستعير من اللغات الأخرى ما تحتاجه من أسماء، سواء كان ذلك من أجل أداء معان لا تتوفر فيها، أو كان ذلك لمجرد التجمل والتزين؛ والواضح أيضا، وفيما يتعلق بتلك الأسماء التي تمت استعارتها، فأن البذاويت تحتفظ للاسم منهم بصفته من حيث تذكيره أو تأنيثه مع أي تغييرات تجريها عليه حسب مقوماتها وتراكيبها كأن تقلب صوت الحاء لهاء أو العين لهمزة .. الخ.
وبالنتيجة أيضا فإن أي اختلاف في تذكير أو تأنيث الاسم الذي يظن أن اللغة قد اقتبسته، يستوجب اهتماما اكبر في تحليله والبحث حوله لمعرفة حقيقته.
ولقد سبق وأن قلنا أنه صحيح أن الجيم والدال يتبادلان في اللغات، وتساءلنا عما إذا كان الجيم والحرف الشبيه بالدال يتبادلان .. إلى جانب كل ذلك دعنا نحاول الإجابة على السؤال الحاسم التالي: هل صوت الجيم أصلا صوت من اصوات البذاويت؟.
والتزاما بمنهجنا في لزوم عرض كل ما تعلق بالبذاويت على لغتهم، مقوماتها وتراكيبها، لنحاول استنطاق اللغة حول ذلك فإذا ثبت أن حرف الجيم حرف من حروفها قبلنا فكرة أن البذاويت قد أبدلوا دال (بداة) بالجيم فتحولت إلى (بجاة) مع استمرار سؤالنا حول ظاهرة تأنيث الاسم وتذكيره. ولكن ماذا إذا ثبت عكس ذلك ؟.
وللإجابة على السؤال الذي طرحناه حول حرف الجيم من الضروري هنا توضيح الآتي:
أولا: لقد لاحظنا من دراستنا لصوتيات اللغة ان بالبذاويت 9 اصوات. وان الصوت- الحرف- المعين يأتي في البذاويت على 27 حالة. فالحرف إما انه مفتوح فتحة قصيرة، أو انه مفتوح مع مد أو انه ساكن.. وهذه ثلاث حالات. وإما أن الحرف مكسور كسرة قصيرة، او مكسور كسرة ثقيلة تولد ياء، أو أنه مكسور كسرة طويلة ممالة للفتح.. وهذه ثلاث أخر، أو أن الحرف مضموم ضمة قصيرة أو أنه مضموم ضمة ثقيلة تولد واوا، أو أنه مضموم ضمة طويلة ممالة للفتح .. وهذه ثلاث أخرى.
وكل من هذه الحالات التسع يأتي إما في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها .. فتكون 27 حالة. ولاحظنا في ذلك إنه وفي بعض الحالات لا يأتي الحرف ساكنا في أول الكلمة، وعليه يمكن تعميم اعتبار الحالات التي سيرد فيها الحرف، إذا كان حرفا من حروف اللغة، على أنها 26 حالة. ثانيا: وفيما يتعلق بعدد الكلمات التي يرد فيها صوت الجيم لاحظنا ان البذاويت بها، وعلى سبيل محاولة الحصر، 121 كلمة فقط يدخل في تركيبتها حرف الجيم، وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة حول ذلك فان صوت الجيم يرد في اللغة كما يلي:
أ - يجيء في 59 كلمة في أول الكلمات.
ب – ويجيء في 48 كلمة في وسط الكلمات.
ج – ويجيء في 14 كلمة في آخر الكلمات.
ثالثا: من مجموعة هذه الكلمات تجد أن 64 منها واضح أن أصولها عربية (أي حوالي نصفها)، ومنها 8 كلمات شككت في أن الحرف الوارد فيها هو صوت الجيم.
وبمقارنة كل ذلك بصوت الألف، مثلا، فإن الأستاذ محمد أدروب أوهاج في دراسته [معجم بجاوي عربي] يورد حوالي 400 كلمة تبدأ بحرف الألف وإن كان من الواضح أن حوالي مائة كلمة منها عربية الجذور؛ وكتاب: [Tu Bedawie]- تأليف: E.M.Roper عام 1928، وهو كتاب لاستعمال الرسميين الإنجليز فترة وجودهم في السودان– يورد حوالي ذلك العدد من الكلمات التي تبدأ بحرف الألف.
وننوه هنا إلى أن ما نورده في هذا السياق هو ما أورده الكتابان من الكلمات التي " تبدأ بحرف الألف" فقط وليس تلك التي يدخل في تركيبتها حرف الألف سواء كان الحرف في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها.
وذلك يوضح قلة ورود صوت الجيم في اللغة.
رابعا: كما وضحنا فان الصوت، اذا كان صوتا من اصوات اللغة، ينبغي ان يرد على ال27 او ال26 حالة التي بيناها. ولتوضيح ذلك، لنـأخذ صوت الدال لنرصـد حركاته حسب ورودة في اللغة في جدول صوتياته:

الصوت الصوت اول الكلمة الصوت وسط الكلمة الصوت آخر الكلمة
الكلمة معناها الكلمة معناها الكلمة معناها
دَ دَبَ صدر، مقدمة هَدَلْ أسود لِدِدَ أجمع العفش عند السفر
دَا دَاىْ عمَل - إنجاز دِدَادِ امتلاء الصدر، ذو لحم قِيدَا كرَر الرمي
دْ دْآى غيره هَدْءَ عجوز، زعيم إفَدْ تجرأ على
دِ دِمِمْ جفاف فِدِنْتِ للجهة المعاكسة بَدِ شفق (المغارب)
دِيـ دِيتْ قطعة حديد سِيـدِيتْ فلجه في الأسنان هِنْدِى بشجرة أو بخشبه
ديـّ دِيـّتْ أم، والدة ادِيـّتْ جلد "الإنسان" هَرْدِىّ ذابحاً
دُ دُمْأرَ ذهب "معدن" قِدُهْـ إنزال قُمَدُ طويل
دُو دُورَ عم أو خال هَدُوقْ مشاط "الشعر" سَرادُو ظهره (فاعلاً)
دُوّ دُوّىْ درب، طريق مَدُوّرْ قاتل – سفاح سَرادُوّ ظهره (مفعولاً)


ومن الواضح أن صوت التاء قد غطى الحالات الـ 27 التي ذكرناها.
أي أنه إذا افترضنا أن الحرف قد غطى خانة في جدول صوتياته في كل حالة جاء فيها، فإننا سنصل إلى الشكل التالي:

1 2 3
4 5 6
7 8 9
10 11 12
13 14 15
16 17 18
19 20 21
22 23 24
25 26 27


نتيجة لما جمعناه من الحالات التي ورد فيها حرف الجيم في اللغة، ولو افترضنا أن كل حالة ورد فيها الحرف ستغطي موقعا من جدول صوتياته، فان الشكل الذي توصانا ليه الكلمات التي تم جمعها سيكون كآلاتي:



1. لاحظ أن الشكل: يعني أن الحركة قد وجدت في أكثر من مجموعة.
2. وعن المواقع (8)، (12)، (14) نجد انه قد غطتها عينات من مجموعة الكلمات عربية الجذور فقط. والمهم ذكره هنا هو أن بعض هذه الكلمات لها بدائل من اللغة تحمل معانيها.
3. وأن الموقع (13) قد غطته كلمتان فقط، لم نجد غيرهما.
4. وأن الموقع 19 قد غطته كلمة واحدة فقط وهي: (جُد)، وردت في قاموس Roper ولم نعرف لها معنى.
5. وأن الموقع 26 قد غطى بكلمات من مجموعة كلمات لم نجد لها تخريجا في اللغة (46 كلمة). ولا نملك الا ان نوافق على انها كلمات من اللغة، على الاقل الى ان نجد لها تخريجا. منها: (جَبَنَ) و(جِـنِيهـِ): جنيه (مائة قرش)، و(جِلفْ): وهو عندهم الخرف الناتج عن كبر السن.
6. أما بقية المواقع فقد غطتها، وكما ذكرنا كلمات من أكثر من مجموعة.
7. لاحظ من النموذج أنه لا توجد كلمات في اللغة تغطي المواقع (6) (15) (18) (24) (27).
أي أن الحرف وفي كل الحالات التي تم حصرها، قد غطى 22 موقعاً فقط من 27 موقع ينبغي أن يغطيها ذا كان صوتا من اصوات اللغة.
أي انه يمكننا ان نلاحظ من ذلك البحث أن صوت الجيم:
لا يرد في اللغة مفتوحا بمد في آواخر الكلمات.
ولا مكسورا الكسر الطويل في أواخر الكلمات.
ولا مكسورا الكسر الطويل الممال للفتح في أواخر الكلمات.
ولا مضموما الضم الطويل في أواخر الكلمات.
ولا مضموما الضم الطويل الممال للفتح في أواخر الكلمات.
والآن .. لعله يتبادر إلى الذهن سؤال وهو: كيف تم جمع هذه الكلمات ؟.
إن الكلمات قد جمعت من خمسة مصادر هي:
أ / اللغة المتداولة بين البداويّت.
ب/ أغاني البداويّت.
ج/ بعض المكتوب حولهم وبغض النظر عن الحرف الذي كتب به.
د / أسماء أعضاء الجسم في اللغة.
هـ/ الودع شروحه ومصطلحاته.
ولعله من البديهي أنه إذا كان في اللغة حرف من الحروف فإنه لابد وأن نجد صوته في هذه المصادر. ومن واقع ذلك البحث يتضح أن هذا الصوت أكثر ما يكون في اللغة المتداولة بينهم، خاصة في المدن، لأن تلك اللغة قد دخلتها الكثير من المفردات من لغات أخرى خاصة اللغة العربية.
إلا أن الأمر أقل في الأغاني. وفي الغناء، وفي أربعة شرائط ( كاسيت) لم أجد غير عشرة كلمات بها حرف الجيم !!.
وفي قائمة احتوت على ما يزيد على المائة اسم من أسماء أعضاء الجسم ينعدم حرف الجيم في تركيبة أي منها!!
وهو، ومن الواضح، أقل من ذلك في الودع وشروحه للطالع ومصطلحاته إذ أن تلك الشروح والمصطلحات، وفيما أرى، قد تم تناقلها من جيل إلى جيل وبالتواتر، مما يشير إلى ثبات نسبي لتلك المصطلحات والشروح. ولفترة ليست بالقصيرة أخذت أستمع إلى الودع شروحه ومصطلحاته، ولعله من المدهش قولي بأني لم أجد صوت الجيم في كل ذلك إلا نادرا !!
يتضح من كل ذلك أن غالب وجود حرف الجيم يتركز في اللغة المتداولة، وهي وكما أسلفنا الأكثر عرضة للتأثر.
هذا عن حرف الجيم ووجوده في اللغة فصلناه في بحثنا حول صوت الجيم في اللغة- لتفصيل أكثر راجع اصدارة (بداويّت): الحروف.
والآن، ومن كل ذلك، ودون أي قسر للأشياء، ألا يمكننا القول بان حرف الجيم ليس صوتا من اصوات اللغة، أو أنه، وعلى أكثر الفروض تساهلا، حرف جديد على اللغة وذلك بدخول كلمات كاملة إلى اللغة من لغات أخرى ؟
وبناءا عليه .. ما مدى صحة قولنا أن البذاويت قد أبدلوا دال (البداة) بجيم ليتحول الاسم إلى (بجاة)؟ وكيف يبدلون صوت الدال، الذي يعرفونه، بصوت لم يعرفوه ولم يرد في لغتهم أصلا ؟
من ناحية أخرى فمن الواضح أن رأيي ورأي هؤلاء قد توافقا في أن هؤلاء لا يعرفون الاسم (بجا) أو أيا من صيغه، إلا أن الذي يجب نقاشه هنا، وهو بعد من الواقع الملموس، أنهم يسمون أنفسهم للآن: (بذاويت)- بكسر الباء وبالحرف الشبيه بالدال- وهو الاسم الذي يتمتع بسند من لغة هؤلاء القوم مهما تعددت أو تنوعت الأسماء؛ فما هي الدلالات التي سينتجها تحليل الاسم من الناحية التاريخية ومن ناحية مبناه ومن ناحية معناه؟.
يرى علماء اللغويات أن الدراسة اللغوية لأسماء الأعلام في اية لغة (ضرب من علم الآثار)، وأن (دراسة أسماء الأماكن تخدم بطريقتها الخاصة الغرض نفسه الذي يخدمه علم الآثار الميداني، مع فارق واحد هام هو أن الاكتشافات الأثرية هي اكتشافات خرساء .. في حين أن أسماء الأماكن ناطقة؛ لا تخبرنا بما هي فحسب، بل تخبرنا أيضا بكيفية نطقها الفعلي، وبمعناها، وباللغة أو نوع اللغة التي انبثقت عنها.. وللمعلومات التي تقدمها هذه الأسماء، على الأقل، فضيلة اليقين المطلق أو النسبي)(11).وأن من بين الأدلة اليقينية في علم التاريخ: (آلية تتبع أسماء الأعلام وتحليلها، سواء كانت أسماء أماكن أو أسماء قبائل وشعوب أو أسماء أبطال تاريخيين أو أسطوريين، لأن هذه الأسماء لها قدرة على البقاء لآلاف السنين، وقد تتعاقب الحضارات وتتعاقب الديانات والثقافات، وتتعاقب التنظيمات السياسية والاجتماعية وتتعاقب اللغات دون أن تتغير هذه الأسماء تغييرا حقيقيا رغم ما قد يصيبها من تحريفات طفيفة عبر القرون)(12).
وللتدليل على اتجاهاتنا وإذا أردنا مثالا لأهمية دراسة اللغة في مجال دراسة التاريخ دعنا نناقش الاسم المشهور والمعروف: "عِلْـبَة" والذي يطلق على جبل في دار البشاريين شمال منطقة البذاويت(13). ترى ما هو أصل اسم هذا الجبل؟ وما هي تركيبة صوتياته، وما معنى الاسم؟ وما هي التغييرات التي طرأت عليه إذا كانت قد طرأت عليه أية تغييرات؟
بالبحث في ذلك، باعتباره تمرينا ذهنيا للمادة محل النقاش، سنجد تماما المعنى الوارد في فكرة تتبع أسماء الأعلام وأهمية ذلك.
والاسم "عِلْـبَة" وكما هو واضح تركيب من حروف: العين واللام والباء والهاء أو التاء المربوطة في آخره، والاسم بتركيبته هذه يشبه الاسم العربي فهنا (عين) وهنا ال(تاء المربوطة) ولعلها تاء تأنيث.
ونتساءل اولا: ما المقصود ب (علبة) في اللغة العربية باعتبار ان الاسم مصدره اللغة العربية؟
ثم انه وبتحليل الاسم، باستصحاب الطريقة التي ينطقه بها أهل المنطقة، سيتضح التالي:
(1) إن صوت العين لم يرد في البذاويت، فالغالب أن الصوت في بداية الاسم هو صوت "الألف" والذي دائما ما يستبدلون به صوت "العين" عندما يتحدثون العربية، فيقولون: (إينْ) للعين، و(إيسَ) لعيسى، و(أُمَرْ) لعمر. فالغالب إذن أن الصوت البادئ للاسم هو صوت "ألف".
(2) حسب نطقهم للاسم فإن التاء- أو الهاء- الأخيرة لا ترد في صوت الاسم وينطقونه: ( إيـلْبَ) بمد ممال للفتح على الالف البادئة، وبتسكين اللام وبفتح قصير على الباء، إذن فالصوت الأخير- بعد الباء- إنما هو زيادة في صوت الفتح على الباء؛ وقد قال شاعرهم:

وْ إيّلْبَ نا ناتِيبْ دَيِسْيانْ أ لَبِيبَ
دَيَمِيبْ باكايْ دَيِسْيانْ أ لَبِيبَ
أوّ رْبَ تَ هُوّيْتا تَ سَرَدْتا دِمْأرابُ
أو دَرْ أونْقالْ أُ هِجِيتْ قِبْلَ رِهِينِ
أُو دَرْ أُو راوْ تِ سَنَيْ تِ إيـّرَ يَمِيّتَ
دَيَمِيبْ باكايْ دَيِسْيانْ أ لَبِيبَ

ما يستفاد من هذه الأبيات هو ان الشاعر يقول أن (إيّلبَ) باطنه وظاهره من ذهب، وأن احد جنباته تواجه "الحج" والأخرى تواجه مجاري المياه البيضاء "تِ سنيْ تِ إيـّرَ يَمِيّتَ"، وهو في ابياته يتساءل مستنكرا: لم نسي الشعراء هذا الجبل؟ وما يهمنا هنا ان الشاعر يتحدث عن (إيّلبَ) في صيغة المفرد وليس الجمع، ويحدد في البيت الثالث بأنه (جبل) وليس (جبال) حيث يقول: "أوّ رْبَ تَ هُويْتا تَ سَرَدْتا دِمْأرابُ". وبتحليل العبارة (أوّ رْبَ)، فإن (أوّ)- بنطق بمد بضم طويل ممال للفتح على الألف- اداة تعريف الاسم المفرد المذكر، (رِِبَ): اسم مذكر مفرد معرف ب(أوّ) سكن اوله (رْبَ): لمناسبة المد الذي قبله.
(3) والبذاويت عندما يريدون تعريف اسم ذلك الجبل، وحسب نطقهم له وكما هو واضح من الشعر الذي اوردناه، يسبقونه بصوت (واو) فينطقونه: (و إيـّلبَ)- والواو في اللغة أداة تعريف للاسم المفرد المذكر في حالة من حالاته. إذن فالاسم مذكر في اللغة "بحكم أداة تعريفه" وذلك ينفي وجود التاء او الهاء في آخره. راجع نقاشنا للاسم: (تاكه).
(4) ولكن العبارة بهيأتها الحالية: (إيـّلبَ) لا معنى لها في اللغة ما لم تكن مشتقة أو محورة من تركيب آخر.
(5) الملاحظ في لبذاويت علاقة صوت اللام وصوت الراء في عملية التصغير. والتصغير في البذاويت يتم على عدة طرق اهمها، وذلك متعلق بموضوعنا هنا، انها لا تصغر الاسم ما لم يكن في تركيبته حرف راء او لام اصلية.
فما في تركيبته حرف راء يتم تصغيره بتحويل الراء فيه الى لام، فتقول: (سَرارابْ): طويل، وتصغره: (سَلالابْ)- ( نَفِرْ): حلو، وتصغره: ( نـَفِلْ)- (رِبَ): جبل، وتصغره: ( لِبَ).
ما في تركيبته "لام اصلية" يصغر بتحويل اللام فيه الى نون، فتقول: (دَبَلُوبْ): صغير، وتصغره: (دَبَنُوبْ)، وتقول: ( هَلاقُ): معوج، وتصغره: ( هَناقُ). ولا يصح تحويل اللام الى نون- على سبيل التصغير- اذا لم تكن اصلية في الاسم، بمعنى انه لا يصح تحويل لام ناتجة عن تصغير "غير اصلية في الاسم" -كانت في اصلها راء- الى نون، اى انه لا يصح ان تصغر: ( سَلالابْ) الى: (سَنانابْ) ولا ( لِبَ) الى: ( نِبَ) مثلا.
باعتبار ذلك يمكن للاسم أن يكون: (إيلبَ) مصغرا واصله (إيّـرب)؛ ولكن هذه العبارة لا معنى لها في اللغة في صيغة المفرد ولا في صيغة الجمع ما لم يكن تركيبا لاسم ما واداة تعريفه. والمعروف ان (إيّـ) هي اداة تعريف لاسم الجمع، فاذا كان ذلك كذلك، فما معنى: (رب) الواردة بعد اداة التعريف؟ العبارة: (رب) تعني جبل او جبال حسب سياق الجملة، ويتم الفرز بين المفرد والجمع في مثل هذه الحالة باداة التعريف.
(6) ولكننا وضحنا ان الاسم مفرد وليس جمعا، ودللنا على ذلك بان نطقهم للاسم معرفا هو (و إيلب). ونحن محكومون بكيفية نطقهم هم للاسم.
(7) والعبارة (إيّـرب) او (إيلبَ) مصغرة لا معنى لها في اللغة كما سلف. واذا تحولنا عن فكرة ان (إيّـ) اداة تعريف، وبما أن الاسم ذو علاقة بالمعنى: جبل، فمن الممكن ان تكون العبارة هي (إيرَ) والتي تعني: ابيض، تلتها (ب)، والتي لا معنى لها في اللغة لوحدها، او ان تكون العبارة بعد (إيرَ) هي (رب) والتي تعني كما اسلفنا: جبل، وستكون العبارة: (إير- رب)، وسيكون المعنى الجديد هو: جبل ابيض.
والواضح هو أنه قد تمت عمليتان في تركيبة الاسم: (إيلبَ) او (إيـرب)؛ الاولى هي عملية ادغام حيث ادغمت الراءان المتجاورتان فنتجت: (إيّـرب) وهذا جائز في اللغة؛ والعملية الاخرى عملية تصغير. وبذلك تكون اصل تركيبة الاسم قبل تصغيره هي: (إيرَ رِبَ) حيث ان (إيرَ)– الألف فيه بصوت كسر ممال للفتح- تعني: ابيض، و(رِبَ) تعني: جبل، أي أن العبارة ستعني: [جبل أبيض]. فإذا أرادوا تصغير الاسم فسيكون (إيلَ لِبَ) حيث تم تصغير الصفة والموصوف بابدال راءيهما الى لام. ويعرف: ( و أيل لب). وبتلاقي لامين في وسط العبارة يمكن إدغامهما فيتحول نطق الاسم إلى: (إيـلـْبَ)، وبتعريف الاسم سينطق: (و إيـلبَ)، أي: [جبيل- مذكر- المتصف بالبياض]. وهو عين نطقهم للاسم. إذن فالاسم مذكر، وهو ذو علاقة بالاسم: جبل، هذا من ناحية، ومن الناحية الاخرى فاننا لم نجد في اللغة العربية معنى للعبارة (علبة) به نربطها بالجبل. وعليه فإن مصدر الاسم هو البذاويت رغما عن شكل الاسم الحالي، ورغما عن انه قد دخل الأطلس وثبت في الكتب.
هل وضحنا أهمية تتبع أسماء الأعلام وتحليلها والدلالات التي يمكن أن نجنيها من ذلك؟
ولعلنا قد وصلنا الآن لدليل يقيني من أن أصل الاسم "عِلْـبَة" مصدره البذاويت- وإن كان ظاهره لا يدل على شيء من ذلك- ويتبقى سؤال وهو: ترى لماذا وصف البذاويت هذا الجبل بالبياض، ترى هل وراء ذلك ذكرى لأزمان مناخية قديمة كان الجبل يكتسي فيها بالثلج في بعض الفصول ثم تغير المناخ وبقى الاسم دليلا على تلك الأحوال المناخية؟.
والتزاما بمنهج البحث السالف ذكره بعرض الأشياء على اللغة، وعند مناقشة الاسم (بذاويت) وتاريخه من وجهة نظر اللغة فإننا نلاحظ التالي:
1/ لقد ورد في بعض مصادر التاريخ أن هذا الاسم قد رصد في اللغة الفرعونية القديمة على عهد تحتمس الثالث- الذي عاش حوالي عام 1497 ق.م(14)- ان الاسم فيها قد ورد على هيئة: (BUKA)، وعلى هيئة: (BUGAITÆ) في الأكسومية، وفي العربية (بُجا)، وقد اورد هذه الاسماء نعوم شقير.
وبإستصحاب فكرة تتبع الأسماء وتحليلها ألا يمكن ملاحظ علاقة ما بين الأسماء التي أوردها شقير: (BUKA)،(BUGAITÆ)- (بُـجا)؟(15)
نلاحظ في ذلك:
أ / واضح أن الباء بصوت ضم في اللغات الثلاث: (BU) – (BU) – ( بـُ).
ب/ وواضح أن الاسم ينتهي بصوت فتح بمد في الأسماء الثلاثة: (KA) و (GA) و ( جا).
2 . صحيح أن الاسم الأكسومى ينتهي (AITÆ)) ونلاحظ فيه:
أ / أن كتابة الاسم: ( BUGAITÆ )) هي كتابة للاسم كاملا بجزأيه: (ITÆ )) + BUGA)).
ب/ ذلك لأن العبارة (ITÆ) واضح أن قيمتها هي الياء الممالة للفتح: (AI ) والتاء المكسورة الممالة: (TÆ) وقيمتهما معا هي: ( يِتِ)، وهو تماما نطق بعض البذاويت من اهل الجنوب لأداة التخصيص أو النسبة للجمع كقولهم: (إنْقِلِيسْيِيتِ): أي اللغة الخاصة بالإنجليز أي اللغة الإنجليزية- (أرَبْيِيتِ): اللغة المنسوبة للعرب، أي العربية- (هَدْآيّتِ) الصفة الخاصة بالزعماء أي الزعامة.
ج/ إذا ما أردنا نطق الاسم كاملا فالجزء الأول منه هو (BUKA) والجزء الآخر هو (ITÆ) أي أن الاسم كاملا سيكون: BUGA) +ITÆ) وان نطقنا له أقرب لأن يكون (بُقايِيتِ) والإشكالية الأساسية ستكون في الحرف التالي للباء في الاسم.
3. ومن يناقشون الاسم لا يتحدثون عن الحرف التالي للباء، والمفترض انهم يعرفون ماهية هذا الحرف.
4. والحقيقة الواضحة هي أن اللغات الثلاث الفرعونية، الأكسومية والعربية قد اتفقت في الحرف البادئ للاسم (الباء)- وفي حركته (U) أو الضم، وقد اتفقت في حركة الحرف التالي للباء: فتح مع مد: (KA) و(GA) و(جا) وإن اختلفت في ماهية هذا الحرف.
5. وواضح أن الربكة قد حدثت هنا في هذا الحرف، ونرى أن ذلك إنما قد حدث لغرابة الحرف في البذاويت، وإن الفرعونية كتبته- أو أخطأ المترجم في ذلك (K) وكتبته الأكسومية (G).. وكتبته العرب (ج).
6. وربما اقتربنا إلى الفكرة خطوة إذا عرفنا أن حرف(ج) و(ق) يتبادلان في اللغات، ففي اللغة العربية نجد: (جمال= قمال)، (جمل= قمل)، (جبار= قبار) والصوت الذي حول له صوت الجيم تسميه العرب: " القاف اليمنية".
7. وربما اقتربنا خطوة اكبر للفكرة إذا عرفنا أن قيمة (ك) في اللغة النوبية القديمة هي(ك) و(ق)(16).
إذن فإن ما يمكن أن نصل إليه من ذلك هو أن الحروف (ك) و(ق) و(ج) يتبادلون في اللغات، واذا كان اساس الصوت هو صوت البذاويت الشبيه بالدال والذي وضحناه، فإنه ليس بغريب أن تحول الإكسومية (ك) الفرعونية فيه إلى (ق) ولا أن تحول العربية (ق) الأكسومية إلى (ج).
أي أنه يمكن تصور الحالة كما يلي:
في الفرعونية نطق الاسم أو كتب (K)، وكتب (G) في الأكسومية وكتب (ج) في العربية وهو الحرف الشبيه بالدال في البذاويت، وذلك لغرابة الصوت.
والنتيجة التي يمكن أن نصل إليها من كل ذلك هي أن الاسم ( بُـد)- بضم أوله- والذي ذكر أن تلك المجموعة الصغيرة تستعمله الآن، قد انتقل عبر السنين مع أية تحويرات من المنطقي أن تطرأ عليه خاصة وأننا نتحدث عن آلاف السنين.
ومن ناحية أخرى فإنه لا يتأتى لى تصور أن البذاويت قد انتظروا العرب بدون اسم، فذلك ليس واقعيا ولا منطقيا.
وأيضا لا يمكنني تصور أن العرب وبمجرد نزولهم على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وبمجرد رؤيتهم لهؤلاء قد إنقدح الاسم فجأة عندهم فأسموهم به فذلك ليس منطقيا ولا واقعيا أيضا، ولكن المنطقي أن العرب قد وجدوا اسما لهؤلاء عند قدومهم للمنطقة، فنطقوا ذلك الاسم حسب لغتهم- مقوماتها وتراكيبها- فإذا كان ذلك منطقيا فإنه سيبرز سؤال: ترى ما هو الاسم الذي انتظر العرب حين قدومهم للمنطقة؟.
ثم إننا لا يمكننا إلا أن نبحث وأن نجيب على السؤال التالي:
لقد لاحظنا أن الاسم وكما ورد في صيغه العربية قد ورد مضموم الأول مرة: (بُـجا) ومكسورا مرة (بِجا) أو (بِجة) .. والدليل على ذلك هو الاسم في هيئته (بِيجة)، فكيف نفسر هذه الظاهرة ؟ ولا شك أن اختلافات كهذه لا تأتي (هكذا) وبدون أسباب.
وأراه منطقيا أنه إذا كان الاسم الذي وجده العرب هو (بـُدا) - بضم الباء وبالحرف الشبيه بالدال بعدها- أراه منطقيا أن ينطقوه حسب لغتهم (بُجا)، فالعربية لا تعرف الحرف الشبيه بالدال، وفي هذه الحالة فإن الاسم (بُجاة) ومدلوله المذكور سيكون محل نظر.
ولكن الواقع يواجه الباحث أيضا بالاسم (بِجا) و(بجه) و(بيجه) بالكسر. بل أن نفس الواقع يواجه الباحث بالاسم (بذاويت) بكسر الباء، فترى ما هو واقع هذا الكسر، وترى من أين جاءت هذه الواو الوسطى في (بذاويت)، ولماذا هي في موقعها هذا ؟
والواضح أن الاسم كان مضموم الأول منذ عهد تحتمس الثالث، وقد استمر على ذلك حتى عهد مملكة أكسوم حوالي القرن الرابع الميلادي حيث وجد الاسم مكتوبا على آثارها، وظهر أثناء ذلك الاسم العربي مضموم الأول إذ كان، ومن الواضح، ذلك هو الشكل السائد للاسم، خاصة وأنه من المعروف أن الياء والتاء في نهاية الاسم (بذاويت) ما هي في عمومها إلاّ أداة تخصيص، وهم وكما ورد يقولون: (إنقليسييت) = (إنْقِـلِيسْ- يتْ)، و(إنقليس) تعني عندهم: إنجليز- وذلك لانعدام حرف الزين "الزاي" في لغتهم- والياء والتاء للتخصيص، والعبارة تعني اللغة الإنجليزية، ويقولون: (هدآيت) وتعني صفة الزعماء أي الزعامة.
ومن ناحية أخرى فأنا أقرأ ذلك ضمن ذلك الاسم المشهور والقديم عندهم (بـُوداىْ) فهو تركيب من (بود) بتركيب بالحرف الشبيه بالدال + (اى) والألف والياء في نهاية الاسم المفرد، وبغض النظر عن تفاصيل هنا، فالألف والياء أداة نسبة أو لإثبات صفة للاسم المذكر المفرد وذلك كقولهم: ( هَبـْنَاىْ) = (هَبـْنَ+ اى) بمعني المعين أو المتصف بإعانة الغير. (شِنْقِراىْ)= (شنقر+ اى) وتعني المتصف بالقبح، (أياناىْ) = (أيا + ن + اى): شيء متصف بالموت. (ناناىْ ذِوَ) و(ذِو) تعني: عشيرة أو أهل، و(ناناى)= (نان + اى) حيث أن (نان) تعني فلان، والعبارة تعني جماعة فلان وليس الجماعة الفلانيين.
والآن قد عرفنا مؤدى الأداة (اى) فما معني (بود) في الاسم (بوداى)– وانا لا اتصور ان الاسم بدون معنى- فإذا كانت (بود) فيه تعني (بجا)، وأنا اعتقد ذلك، فإن (بوداى) ستؤدي للمعنى المعروف في العبارة: بجاوي، اي الفرد من البذاويت.
ليس ذلك فحسب، بل أن (بُوداي) وبحذف الألف والياء وتحويل الاسم إلي صيغة الجمع سيؤدي إلي (بودَ) بفتح آخره- ذلك الفتح الذي يولد صوت الألف بعد الحرف الشبيه بالدال كزيادة فيه. وبإضافة ياء وتاء التخصيص سيؤدي إلي (بُودايت)- وهي ذات (BUGAITÆ)- وسيكون المعنى ما هو معروف ب: (بجاوية)– اللغة- أو (بجاويين)، فالمعروف أن الاسم عندهم للغتهم ولاسم قبائلهم.
وأكثر من ذلك، فإذا قرأنا العلاقات الباطنية للأشياء يمكن أن نصل لتفسيرات أكثر تحديداً للمادة محل البحث.
فنحن نعرف انهم يسمون البيت الذي يسكنونه في باديتهم: (بِداىْ قَوْ)(17)– بتركيب بالحرف الشبيه بالدال- وصحيح أن هنالك نطق (بْأدَاىْ قَوْ) للاسم؛ والمعروف أن (قَوْ) تعني: بيت، فما هو معني (بأدَ)؟
ونحن نعرف أن الفتحة على آخر الاسم المفرد- غير مفتوح الآخر- في اللغة دلالة على الجمع، إذن فإن العبارة (بأدَ)- بتركيب بالحرف الشبيه بالدال- تدل على جمع بدليل فتح آخر الاسم، فإحدى آليات البذاويت في الإفراد والجمع هي فتح آخر الاسم المفرد ساكن الآخر ما ليس في تركيبته حرف حركة للدلالة على الجمع فنقول: (قوْ) بتسكين آخر الاسم، و(قوَ) بفتح آخره سيتحول المعني إلي الجمع: بيوت. وتقول: (هَـلَكْ) ثوب، وبفتح آخره (هلكَ): ثياب.. الخ. ونعرف أن (بأدْ) – بتسكين آخر الاسم- تعني: برش، إذن فالاسم (بْأدَ) سيعني: بروش، والعبارة كلها لا يمكن إلا أن تعني: بيت بروش أو " بيت مبني من بروش" تحديداً.
وبالعودة للعبارة: (بِداىْ قوْ)، فلقد عرفنا معنى (قو)، وعرفنا مؤدى الألف والياء، إذن فان معنى العبارة سيذهب إلى نسبة أو تخصيص البيت لما قبله وهو (بِدَ)، فما معنى (بد) ؟.
وبمعرفة المعنى العام للعبارة، ومن واقع التركيب اللغوي ودلالاته، فإن العبارة لا يمكن إلا أن تعني: بيت بجا أو مسكن بجا. إذن، وبالنتيجة، فإن العبارة ( بِدَ) تعني: بجا.
ومن كل ذلك نستدل على أنه في: (BUKA)، (بجُا)- بالضم- قد كتب صدر الاسم وفي (BUGAITÆ) كتب الاسم كاملا بإضافة أداة التخصيص للجمع "مع ملاحظة الاختلاف في الحرف الغريب محل الخلط". والاسم (بذاويت) هو نفس الاسم بعد كسر أوله ظهرت معه الصيغ محل النقاش للاسم: (بجا) و(بِجه) و( بِيجه) بكسر الباء.
كما هو واضح الآن فإن ضم أول الاسم كان سابقا لكسره، وتاريخيا يدل على ذلك الاسم الذي رصد في المصرية القديمة ثم في الأكسومية، وأن الاسم قد كسر أوله في مرحلة متأخرة.
بل أن الاسم في صيغته الواوية مكسورة الأول (بِداويتْ)، وفيما ارى، مازال يحمل ذكريات ضم أوله .. وإلا فكيف نفهم ضم أول الاسم مرة ثم كسره مرة أخرى ؟
والقضية ليست فقط الاسم (بجه) والذي يمكن أن يقرأ أوله بضم أو كسر، ولكن لابد من بحث الاسم (بيجه) الذي ورد ضمن الاسماء المذكورة والذي لا يمكن ضم الباء فيه ثم يحمل ذات المعنى المذكور وذلك بحكم المد - الياء- بعد الباء؛ والذي هو في حد ذاته دليل على وجود صيغة بالكسر للاسم (بجة).
وما يمكنني تصوره هنا هو أن الاسم قد حدث فيه التالي:
1/ أن الاسم قد كسر أوله، بعد ضم، وتحولت (بُ) فيه إلى ( بِ).
2/ تحركت حركة الضم فيه وسقطت على شكل واو في آخره، اي ان شكل الاسم كان: (بُدَ) وتحول الى: (بِداو).
وهذا نوع من الحركات في اللغات يسميه اللغويون بال (ميتاتيز) وهو تبديل موقع حرف في كلمة أو اسم ما بموقع حرف آخر فيه تقديما أو تأخيرا(18)؛ ولكن ما هو الدليل من اللغة "مرجعيتنا الأساسية" على هذا الذي نقوله ؟
ونثبت بداية أنه إذا كانت هنالك أمثلة أخرى من اللغة على الذي نقول فإن الأمر سيكون مقبولا، وإذا لم تكن هناك أمثلة أخرى فإن ما نقوله سيكون مجرد ظن لا يرقى إلى مستوى الدليل، بل وقد لا يستحق النقاش.
والآن فإن إيجاد أمثلة أخرى من اللغة لهذا النوع من (الميتاتيز)، إن ذلك ليس أمرا يسيرا، ويتطلب نصوصا قديمة محفوظة كتابة، ويفضل تسجيلا، لتتم المقارنة خاصة ونحن نتحدث عن آلاف السنين. وبما أن الذي بين أيدينا قليل، وأن أغلب المكتوب حول البذاويت يبحر في التاريخ- الحديث منه خاصة- لا في اللغة، فإن الأمر تزداد صعوبته؛ فالإبحار في التاريخ والروايات أكثر سهولة ويسرا من الإبحار في اللغة، فالإبحار في اللغة يحكمه منطق هذه اللغة وشروط ذلك المنطق المختزنة في صوتيات اللغة وفي قواعدها اللذان يشكلان أسوارا ومحاذير يستحيل تجاهلها أو القفز فوقها.
قلنا أنه من اللازم الحصول على أمثلة أخرى من اللغة على هذا، وانه وليتم ذلك، لابد من نصوص من اللغة لتتم المقارنة والتحليل، وقلنا أنه لا يتوفر بين يدينا هذا النوع من النصوص، فهل من مخرج ؟
أرى أنه من الممكن تجاوز هذه العتمة إذا تمكنا من رصد أسماء وردت للّغة من لغات أخرى وما زالت تؤدي نفس معانيها التي تحملها في لغة المصدر ثم تحمل السمات محل البحث: اي ان يكون اول الاسم منهم في لغته الاصلية بصوت ضم ولا يرد فيه صوت واو، ولنلاحظ التغيرات التي تجريها عليه البذاويت.
وقد أنقذت البذاويت- اللغة- الموقف بحفظها لهذا النوع من الأسماء .. فإذا أردنا أمثلة أخرى على هذا النوع من الميتاتيز في اللغة فلنناقش التالي:
1 / البذاويت يسمون تلك الأداة التي يدقون فيها البن- والمعروفة باسم ال( فُنـْدُقْ)- يسمونها: ( فِنْدِقْوْ) أو( فِنْدِكْوْ) أو (فِنْتِكْوْ)- لاحظ علاقة القاف والكاف.
وأيا كان مصدر الاسم، فما الذي حدث فيه؟ الواضح هنا هو أن أول الاسم- الفاء- قد كسر بعد ضم، وهاهي حركة الضم قد سقطت واوا في آخر الاسم بعد الكاف أو القاف: ( فِنْدِقْوْ) =( فِنْدِكْوْ) = (فِنْتِكْوْ)؛ وإلا فمن أين جاءت هذه الواو في آخر الاسم ؟
2/ و الاسم ( سُكَّرْ) ينطقونه: (سِكْوَرْ) وواضح كسر السين، بعد ضم، ثم هاهي حركة الضم قد سقطت واوا بعد الكاف.
3/ وال ( تُـمْباك): " نوع من النشوق" من المعروف أنهم ينطقونه: (تِمْـباكْوْ) وهاهو أول الاسم قد كسر، وهاهي الواو في آخر الاسم دلالة على وجود ضم في أصل الاسم وإلا سنحتاج لتكرار سؤالنا عن حقيقة الواو في العبارة.
4/ وأل "جُمرك " ينطقونه: (جِمْرِكْوْ) والواضح أنه قد كسرت فيه الجيم البادئة وأن حركة الضم تلك قد استقرت واوا بعد الكاف دلالة على ضم أول الاسم.
5/ وليقول لك أحدهم: "شُكْرا" فإنه سيعبر عن ذلك بما هو أقرب للعبارة "شِكْـوِرَنْ" وهو بذلك يكسر أول الاسم، ويحتفظ بذكرى الضم في أول الاسم بتحويل حركة الضم إلى موقع آخر.
6/ ويقولون لل ( بُلُكْ)- طوب البناء: (بِـلِكْـوْ) .. ولل (كُشْكْ): (كْوِشِكْوْ)، ولل (تُكُلْ): (تِكْوِلْ) .. ويقولون: (مِسْياكْوْ) للمُسواك .. و(شِكْورِ) لل (شُكري): الفرد من قبيلة الشكرية .. وهكذا في عشرات الأسماء ذات التركيبة المماثلة.
7/ والمتجر- أل " دُكان" - يسمونه: ( دِكْوَانْ ) .. ولنفصِّل قليلا في دراستنا للاسم (دُكانْ):
لقد قلنا أن الاسم عندهم قد تحول إلى (دِكْوَانْ) .. وإذا افترضنا أن هنالك منطقة أو خور يشتهر بكثرة المتاجر، ترى ما هو الاسم الذي سيطلقه البذاويت عليها؟
وحسب تراكيب لغتهم إذا أرادوا الحديث عن جمع دُكان فإن الاسم هو: (دِكْوَنْ)–بحذف المد في العبارة، وهذه إحدى طرق البذاويت لتركيب صيغة الجمع من اسم مفرد- وذلك كقولهم: (كامْ): جمل، وجمعه (كَمْ)، (فاىْ): زمام، وجمعه (فَـىْ).. وهكذا. ثم إذا أرادوا التعبير عن.
والآن فما بين (دُكان) و(دِكْوَنِيت)؛ ما بين الدال البادئة المضمومة في اصل الاسم وكسرها في البذاويت، وظهور واو في الاسم لا يرد في اصل الاسم، فنحن نعرف مصدر الاسم ونعرف معناه وحقيقة نطقه. بين هذا وذاك نستطيع أن نعرف البناء الداخلي للتركيب اللغوي للاسم، ولكل عبارة بهذه السمات، ونستطيع أن نحدد ما يحدث.
وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة أخرى وبقليل من التمعن سنجد أن الأمر ليس أمرا جزافيا يحدث (هكذا) وكيفما اتفق، فالواضح أن حركة الميتاتيز هذه يحكمها منطق وقواعد، فحركة الضم يتحدد موقعها الجديد حسب طبيعة تركيبة الاسم؛ وأن ما لم يكن مضموم الأول من الأسماء لا يحدث فيه هذا الميتاتيز- راجع الأسماء: وضوء، وحج، وجامع، وآذان، وزكاة، وركعة، وقبلة.
وبالعودة للأسماء: (BUKA)–(BUGAITÆ)-(بُجاة) من ناحية، والأسماء: (بِجا)، (بِجه)، (بيجه) والاسم ( بِداويت) من ناحية ثانية، فمن الواضح أن الاسم كان مضموم الأول كسر في مرحلة متأخرة، وشاهدنا ضم الاسم مرة وكسره أخرى في العربية، وإلا فكيف نفهم ذلك ؟.
وقياسا على الميتاتيز الذي وضحناه تتضح حالة صوت الواو في وسط العبارة (بذاويت) والتي هي دليل في حد ذاتها على وجود حركة ضم سابقة في الاسم..
ألم نقل من قبل أن الاسم في صيغته الواوية: (بِداويت) ما زال يحمل ذكريات ضم أوله ؟.
بل ويمكنني حتى تصور الوقت الذي حدث فيه الميتاتيز، فالاسم قد ورد مضموم الأول منذ الفرعونية القديمة، واستمر على ذلك حتى مملكة اكسوم التي انتهت حوالي 900 ميلادية(19).
والاسم (بـُجاة)- بالضم- قد ورد عن العرب، في المشهور، وفيما أتصور فهو نفس الاسم (BUKA)– (BUGA)، ومن الواضح أنه الاسم الذي وجده العرب عند قدومهم للمنطقة فاخذوه، تماما كما أخذته الفرعونية القديمة والاكسومية، ونطقته كل مجموعة حسب لغتها، ونطقه العرب بإضافة هاء في آخره، وليس تاء مربوطة بحال، وذلك أمر مفهوم؛ انظر كيف يكتب البعض الاسم (هدندوة) بتاء مربوطة في آخره.
ولعله من المفيد هنا ايراد بعض التفصيل حول الاسم (هدندوة).

من الناحية الاجتماعية : من الضروري في ذلك توضيح أن المقصود بالاسم (هدندوة) من الناحية الاجتماعية هو قبيلة واحدة من قبائل البذاويت الأساسية- وليس كل القبائل، وكثيرون يقولون ( هدندوة) ويقصدون كل البذاويت او ال"بجا".

من الناحية اللغوية : الملاحظ أن الكثيرون يكتبون الاسم (هَدنْدِوة) وربما نطقوه كذلك، وهذا، فيما أرى، "خطأ شائع" لنطق وكتابة الاسم؛ فالاسم مركب من ثلاثة مقاطع هي: (هَذَ) و(نْ) و(ذِوَ) حيث أن (هَذَ) تعني: أسد او اسود جمعا، و(ذِوَ) تعني: عشيرة او أهل. والقيمة الفعلية لصوت الواو في آخر الاسم (هَذَنْذِوَ) هي الفتحة القصيرة.
وقد عرفنا معنى( هَذَ) ومعنى (ذِوَ)، فما هي القيمة، من ناحية المعنى، التي ستضيفها النون الواردة في وسط العبارة؟
والآن لنأتي لنقاش حرف النون في وسط التركيبة (هَذَنْذِوَ) ودلالاته.
من أساليب البذاويت- اللغة- ومن أدواتها في التعبير "نون" تستعمل للكثير من الأغراض، فهناك "نون" تستعمل للشيئية و "نون" تستعمل للكثرة .. الخ. ولتوضيح ذلك نورد التالي:

نون الشيئية:
أ – عبارة مثل: (داوْرِينَ رِهَنْ) وعند تحليلها نجد أن (رِهَنْ): تعني: رأيت؛ و(داوْرِ) تعني: جمال أو حسن، وبإضافة النون المفتوحة (داوْرِ- ين)- الياء قبل النون مدة جاءت لمناسبة الكسرة على آخر (داوْرِ)- صار معنى العبارة: (داوْرِينَ رِهَنْ): رأيت شيئا جميلا .. فمن أين جاء معنى الشيئية في العبارة ؟ إنه أثر دخول النون المفتوحة علي العبارة.
ب- ( وِنَّ رِهَنْ) تعني: رأيت شيئا كبيرا، و(وِنْ) صفة بمعنى: كبير، وبدخول نون الشيئية- اي ان العبارى قد تحولت الى: (وِنْ- نَ)- قد تم أدغام النون في النون في آخر الصفة (وِنْ) وتم التشديد دلالة على الإدغام فصارت: (وِنَّ) فاصبح المعنى: شيئ كبير. ومعنى الشيئية في العبارة من أثر دخول النون المفتوحة علي العبارة.

نون الكثرة:
أ – تقول: (هَدَلَ ذِوَ رِهَنْ) وتعني: رأيت أناسا سودا، حيث أن (هَدَلَ)- بفتح آخره- تعني سود. ولكنك تقول: ( هَدَلَـنْ ذِوَ رِهَنْ) بايراد نون ساكنة بعد (هَدَلَ)، ويتحول المعنى الى: رأيت أناسا شديدي السواد، وما تمت إضافته على الجملة الأولى من ناحية الحروف هو "نون" ساكنة: (هَدَلَ) تحولت الى: (هَدَلَـنْ)، ولكن المعنى قد تحول من: " أناس سود" إلى " أناس شديدي السواد"، وعليه فان الدلالة على الكثرة قد نتجت بدخول النون.
ب- تقول: ( أشْأرَ ذِوَ رِهَنْ) ومعناها: رأيت أناسا شجعان، حيث أن (أشْأرَ) صفة بمعنى: شجاع للمفرد أو شجعان للجمع. ولكنك تقول: (أشْأرَنْ ذِوَ رِهَنْ)- بإضافة نون ساكنة للصفة- غير أن المعنى سيكون: رأيت أناسا غاية الشجاعة، فالنون الساكنة- لاحظ أنها لا تدخل في العبارة إذا تعلق الأمر باسم مفرد- قد أضافت معنى "الكثرة" في الشجاعة.
وعلى ذلك ففي: ( هَذَنْذِوَ) فالنون نون كثرة- اذ ليس في العبارة دلالة على نسبة، كما أن ليس فيها دلالة على الشيئية- فيكون المعنى: عشيرة كثيرة الاستئساد، أو عشيرة كثيرة الشبه بالأسد.
ومن ناحية اخرى لعله قد اتضح الآن أن صوت الواو في آخر الاسم إذا احتمل صوت هاء كزيادة في نطق الفتحة عليه، فانه لن يحتمل صوت تاء بحال.
أما الاسم (بجه) فهو تخفيف للمدة -الألف- في ( بجا) وتحويله إلى هاء، وذلك أيضا مألوف إذ يقولون: (التاكا) وهو اسم جبال كسلا، والبعض يكتبه (التاكه)- أنظر كتاب طبقات ود ضيف الله، الطبعة الثالثة صفحة (90) وغيرها؛ وانظر الجزء الثاني من كتاب: تاريخ شرق السودان للأستاذ محمد صالح ضرار صفحة (534) وصفحة (563) وغيرها- ولعله من المعروف أن أصل الكلمة في البذاويت هو (تْ أكَ)- بتسكين تاء التعريف، وذلك لهجة عندهم، وبفتح الكاف- وتعني: الدوم أو شجرة الدوم، إذن فلا هي (تاكا) ولا (تاكة)، وإلا فما معنى (تاكا) أو (تاكة) في اللغة العربية إذا كان هنالك من يرى ان مصدر هذا الاسم هو اللغة العربية؟. ونقول: بريطانيا وبريطانية، هولندا وهولنده، نيوزيلندا ونيوزيلندة .. الخ والمعروف أن هذه الأسماء تنتهي بصوت سكون في أواخرها وحسب، بدون زيادة المد أو الهاء.
أما (بيجه) فمن الواضح أنه نفس الاسم بنطق أثقل للكسرة على الباء أنتج مد - ياء - بعد الكسرة على الباء بالإضافة إلى الهاء في آخر الاسم. بل أنني أرى في الاسم (بيجه) شاهدا على بداية الاسم بكسر أوله في مرحلة من مراحل تاريخه بدليل المد (الياء) الوارد بعد الكسرة، أي المدة التي تأتي عادة بعد الكسر، وبعبارة أخرى المدة التي لا تأتي إلا بعد الكسر. والأسماء (بجه) و(بيجة) اسمان قد وردا عن العرب كما أورد نعوم شقير.
وقد يرى أحد بأن الاسم كان مكسور الأول، وفيما أرى فإنه وإذا كان الاسم مكسور الأول على إطلاقه فلا أرى موجبا لضم أوله في الفرعونية القديمة ولا في الأكسومية ولا لأن ترد له صيغة بالضم في العربية؛ هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فانه وإذا كانت الهيئة الأولى للاسم مكسورة الأول فان تركيب اسم اللغة واسم القبائل، وحسب تراكيب اللغة، ينبغي أن يكون: (بِدايِيتْ) بإضافة الياء والتاء في نهاية الاسم وليس (بِداويت)، إذ لا مبرر لغوي لوجود صوت الواو في وسط العبارة.
من كل ذلك نخلص إلى أن الاسم قد بدأ مضموم الباء مفتوح الحرف الشبيه بالدال (بُدَ) جاءت منه الصيغة الفرعونية فيما قبل الميلاد، ثم الأكسومية والصيغة العربية المضمومة، تضاف إليه المدة المناسبة للفتح على آخره فيصبح (بـُذَا) وليس (بُداة) بتاء مربوطة، إذ أن الاسم إذا احتمل صوت الهاء كزيادة في نطق الفتحة على الدال، فانه لن يحتمل تاءا بحال؛ تضاف إليه أداة النسبة- الياء والتاء- فيصبح (بـُدَايتِ) في لهجة– قارن (BUGAITÆ)، وإلى أن الاسم وفي مرحلة متأخرة، ولسبب غير واضح لي الآن، قد تم كسر أوله وتحركت حركة الضم في أوله فسقطت واوا في آخره؛ تماما كما وأنه ليس بواضح لي الآن سبب كسرهم لميم " مُسواك" وظهور الواو في آخر الاسم، ولا سبب كسرهم لدال (دكان) المضمومة وظهور الواو في الاسم، أو في كل الأسماء "النماذج" التي أوردتها في ذلك؛ وليس هناك ما يعفيني، وغيري، من البحث في سبب ذلك.
ما سبق كان عن مبنى الاسم ورحلته عبر القرون، أما فيما يتعلق بمعنى الاسم (بذاويت) فقد قلنا أن الاسم دلالة على لغة هؤلاء وعلى قبائلهم.
وقد أوردنا أن البعض يرجع الاسم إلى الفرعونية " أبشا" بمعنى: ساكن الصحراء، وأن آخرون يرجعونه إلى الفرعونية "بجا" بمعني: المحاربون.. وان هناك من ينسب الاسم للعربية، ولكن ما هي الدلالات التي يمكن أن يؤدي إليها تحليل التركيب اللغوي للاسم نفسه؟.
وفيما أرى فإن محاولة معرفة معنى كلمة أو اسم ما بمجرد تقدير المعاني، أن ذلك ليس بكاف، هذا إذا لم يكن مضللا في أحيان كثيرة؛ فترى على أي شيء في اللغة يمكن أن نعتمد في ذلك؟.
المعروف أن اللغات تبني معانيها بالتعبير عن ذلك بأصواتها، وأنها تنتج مختلف المعاني بتركيب تلك الأصوات بطرق مختلفة بحيث يمكن معرفة المعاني بتحليلها فيما يسمي بالاشتقاق؛ أي أن أحد آليات معرفة المعاني يكون باسترجاع الكلمة ومشتقاتها بدلالة الأحرف الأولى للكلمة أو الاسم، وبعبارة أخرى فأنه من الممكن البحث حول كلمة ما- معناها، جذرها أو مصدرها- بدلالة كلمة أخرى بقرينة بين الكلمتين هي وحدة أحرفهما الأولى بحيث تبدأ الكلمة المعروفة المعنى بنفس الأحرف التي تبدأ بها الكلمة الأخرى، والعكس صحيح؛ وقد تبدو بعض العلاقات بين الكلمات بعيدة في ظاهرها.
ولنأخذ مثالا على ذلك الكلمة: (مْهَكْوَلْ). و(مْهَكْوَلْ) تعني في البذاويت: منطقة مرتفعة أو أعلى خور- أنظر كتاب: (Tu Bedawie) وتعني أيضا: غرب، والغرب عند البذاويت يسمونه: (يِـنْتْ ذِبْ) والتي تعني: "مستقر الشمس أو مكان وقوع الشمس". (يِـنْتْ): شمس، (ذِبْ): افول، "تحديدا" وقوع. فكيف يمكن تخريج المعاني في هذا وما هي العلاقات في ذلك؟.
عند تحليل الاسم (مْهَكْوَلْ) وبعين فاحصة سنلاحظ أنه ليس اسما جامدا ليس مشتقا ولا يمكن الاشتقاق منه؛ وأن الاسم يبدأ بالميم يليها الهاء ثم الكاف ثم الواو ثم اللام.. إلا أننا قد عرفنا أن صيغة التصغير في البذاويت تكون بتحويل الراء- فيما فيه راء- إلى لام، إذن فإن (مْهَكْوَلْ) يمكن أن تكون اللام فيها محولة من راء على سبيل التصغير.. أي أن الكلمة يمكن ان يكون أصلها: (مْهَكْوَرْ).
ولكن العبارة (مْهَكْوَرْ)- بتركيب بالراء- تعني: مكان الربط وجذرها: (هَكْوِرْ) أي مادة أو مدخل (م- هـ- ك- و- ر) فكيف يربط ذلك بالغرب او المنطقة المرتفعة؟.
ولعلنا الآن لاحظنا علاقة ما بين الكلمتين من حيث التركيب: (م- هـ- ك- و) وقد وضحنا العلاقة بين الراء واللام.
ولكن المعروف أن الميم عند دخولها على الاسم تحوله إلى اسم هيئة أو مكان فتقول: (مْأفَىْ) وتعني: حاجز أو سد وجذره: (أفِ) بمعنى: حماية أو منع .. وتقول: (مَلَقْ): رقص وجذره: (لـَقْ)، وتقول: (ألـَقْ): رقصتُ، و(تِلـَقْ): رقصت "للأنثى"، و( إلـَقْنَ): رقصوا أو رقصن.. الخ؛ وتقول: (مَكْوَىْ): لبس، وجذره: (كْوِ)، (مِفْرَىْ): ميلاد، وجذره: (فِرِ). إذن فبمعرفة اداء الميم فإن جذر العبارتين محل البحث هو (هـ- ك- و) مع اللام أو الراء.
وقد قلنا أن (مْهَكْوَلْ) تعني: منطقة مرتفعة أو أعلى خور، و(مْهَكْوَرْ) تعني: مكان الربط، ولا يستقيم هذا المعنى، فيما أرى، إلا أن تكون المنطقة المرتفعة مكانا لربط شيء.. وما أتصوره أنهم كانوا يربطون سوامهم، مثلا، في منطقة مرتفعة حماية لها من أية سيول مفاجئة أو ما شابه ذلك، أي أعلى الخور أو في منطقة مرتفعة والذي سيسمونه: (مْهَكْوَرْ) بتحويل الاسم إلى اسم هيئة أو مكان "الربط" اي "مربط".
ولكن وبما أن من معاني (مْهَكْوَلْ): غرب؛ وأنه من المعروف، وحسب طبيعة منطقتهم فإن الخيران تجري اغلبها من تلال البحر الاحمر في الغرب نحو البحر البحر، والبحر يقع شرق تلك التلال.. إذن فإن "أعلى الخور" وحسب جغرافية المنطقة سيكون "في الغرب"؛ و"أعلى الخور" هو "مكان الربط"؛ وهكذا ارتبط معنى: "ربط" بمعنى: "غرب" بمعنى: " منطقة مرتفعة او أعلى خور" وأخذت العبارة (مْهَكْوَلْ)، هذه المعاني، وبذلك وحده يمكن أن يستقيم المعنى.
لقد قلنا أنه يمكن معرفة معنى أو مدلول اسم ما باسترجاعه بدلالة أحرفه الأولى؛ وفيما يتعلق بمعنى الاسم (بذاويت) فقد توصلنا إلى دلالة الياء الممالة والتاء في آخر اسم الجمع، والى قيمة الواو ودلالتها، فيتبقى من الاسم العبارة: (بدا)، والصوت بعد الحرف الشبيه بالدال ما هو إلا مدة جاءت لمناسبة الفتحة عليه. وعبر التحليل اللغوي للاسم- وسأحاول هنا تفادي الكثير من التفاصيل- سنجد أن المدخل اللغوي أو المادة (بِد)- الباء المكسورة يليها الحرف الشبيه بالدال- تدخل في تركيبة عدد قليل من الكلمات:
أ/ العبارة: (بِدَءَ) – بكسر الباء وفتح الحرف الشبيه بالدال وفتح الهمزة - فعل أمر للاسم المفرد المذكر بمعنى: "ابتعد" ويصرف الفعل لمختلف أنواع الأسماء حسب وضع الاسم في الجملة.
ب/ العبارة: (بِدَءْ)- بكسر الباء وفتح الحرف الشبيه بالدال وتسكين الهمزة - تعني : "خد".
ج/ تدخل المادة في عبارة ثالثة هي: (بِدَاىْ) وهي من معنى التثاؤب.
د/ تدخل المادة في عبارة أخرى هي: (بِـدِّقيلْ)– بكسر الباء وتشديد الحرف الشبيه بالدال مع كسر، وكسر القاف وتسكين اللام- والعبارة تعنى: كبير الحجم.
هـ/ تدخل المادة في عبارة أخرى هي: (بِدْنِ)– بكسر الباء وتسكين الحرف الشبيه بالدال وكسر النون- والعبارة تعنى: نسيان.
و/ تدخل في عبارة أخرى هي: ( بِدْوابْ)- بكسر الباء وتسكين الحرف الشبيه بالدال مع فتح الواو تليه مدة، الألف، ثم باء ساكنة- والعبارة تعنى عندهم: ضخام الجثث أو عمالقة، وللمفرد: (بِدْوابُ)- تكسر فيه الباء الأخيرة في لهجة. ونلاحظ في العبارة أن أصلها هو ( بِدْوَ) فتقول: (بِدْوَ تَكْ): رجل ضخم الجثة، إذن فالألف في نهاية الاسم ما هي إلا مدة جاءت لمناسبة الفتحة على آخره والباء للتذكير أو التنكير.
والآن، بأي من المعاني الواردة نأخذ لتقدير علاقتة بالاسم (بذاويت) ؟
من الواضح أننا سنقع في ذات الخطأ الذي حذرنا منه إذا اعتمدنا على مجرد التقدير، وعلية لابد من البحث عن وسيلة ما لترجيح الأخذ باي منها.
ويمكننا أن نلجأ للقرائن الثقافية كأحدي الوسائل في ذلك. ولا أجد في ذلك قرينة لربط الاسم بالعبارة (بِدَءْ) بتسكين الهمزة بمعنى "خد" أو (بِدَءَ) بفتح الهمزة من معنى " البعد" او "ابتعد"، ولا (بِداىْ) من معنى " تثاؤب" ولا العبارة (بدْنِ) من النسيان ولا (بدِّقِـيل) والتي تعني: كبير الحجم.
وأجد قرينة لربط الاسم بالعبارة (بِدْوَ) بمعنى: ضخم الجثة أو عملاق من تاريخهم وآدابهم وقصصهم الشعبي، ففي ذلك بعض الذي يدل على تلك الصفة فيهم قديما، وذات السمة توصف بها بعض قبائلهم حتى اليوم. وقد وصف هيرودتس- 406 ق م- أهل المنطقة أو من أسماهم بالأثيوبيين بأنهم (كبار الأبدان)(20).
وعليه فإن الاسم سيكون من ضخامة الاجسام، أي أن (بذاويت) معناها أناس موصوفين بضخامة الاجسام.
والآن لنعود لفكرة قد طرحت وأجلنا نقاشها وهي ما تحمله مقولة هؤلاء: أنه ما من أحد من البذاويت يقول أنه من (البجه) ويعزون ذلك إلى (كونهم ينتمون إلى قبائل حديثة التكوين نسبيا خرجت من أصلاب البجه الأولين) .. وكادوا ان يقولوا هنا أن البذاويت إذا قالوا أنهم (بجه) فسيكونون قبائل قديمة التكوين.
وأرى أن نحدد ما نريد أن نقوله، فإما أن هذه القبائل هي (قبائل حديثة التكوين) تختلف عن سابقتها في غالب سماتها وثقافتها ولغتها، أو أنها (قبائل خرجت من أصلاب البجا الأولين) وتحتفظ بسمات أجدادها وثقافتهم ولغتهم.
ولا أعتقد أن قدم البذاويت يحتاج إلى دليل اليوم، ويوافق اعتقادي هذا رأي هؤلاء القائل بأنه (قدتوالى ذكرهم منذ أزمان سحيقة وحتى عصرنا الحاضر)، ولكننا بصدد نقاش الفكرة، وهي فكرة متداولة سمعناها من قبل، إذ أن هنالك من يرى (أن البجا الأصليين لا وجود لهم الآن)(21)، بل إن لفظ (بجا) نفسه قد أطلق، في رأى البعض، على تلك القبائل (مجازا)(22)!!!.
اما عن الاسم فقد لاحظنا هنا قدمه، وقد وجد مكتوبا في الآثار الفرعونية القديمة قبل حوالي 3500 سنة. أما اسم تلك المجموعة الصغيرة والتي ورد ذكرها، وفيما أرى، فإنه يقف شاهدا على كل ذلك فهم قد حفظوا لنا شكل الاسم لما يزيد على الألف عام منذ نهاية مملكة أكسوم؛ وإلا فسيبرز سؤال وهو: ترى أين وجد هؤلاء ذلك الاسم (بـُدَا) او (بـُدَ) وهل من الموضوعي افتراض أنه اسم جديد؟.
ولكن.. هل الذي يناقش هنا هو قدم هذه القبائل أم أن في الإشارة مسكوت عنه؟ وإذا لم يكن في الإشارة مسكوت عنه فكيف نفهم في السياق مقولة انهم قبائل (خرجت من أصلاب البجا الأولين) وانهم (ينتمون إلى قبائل حديثة التكوين) ؟.
والمسكوت عنه في المقولة يتضح في مقولة اخرى ترد في السياق نفسه وهي قولهم ( أن البجه قد تأثروا بالعرب أكثر من تأثرهم بأي أمة أخرى، وأن العنصر العربي هو العنصر الغالب في تكوين البجه قديما وحديثا). ولم يكتف ذلك الطرح بغلبة (العنصر العربي) في تكوين البذاويت (حديثا)، بل أنه يرى غلبة ذلك العنصر فيهم و(قديماً) حتى .. هكذا وبدون تحديد!!
والمهم هنا ملاحظة أن الحديث قد تحول من اللغة، التأثير والتأثر، إلى العنصر!.
ثم أننا لا نملك ولا نجرؤ على إنكار الواقع الشاخص أمامنا وهو أن من الجلي أن هنالك تأثير إسلامي عربي في الثقافة المشاهدة لدى هؤلاء، بل الواضح أنه قد تم تزاوج وتناسل بين العرب والبذاويت بهذا القدر أو ذاك. وهذا مجال للدراسة والبحث ولتمتنع الآراء المسبقة.
وفي ذلك نتساءل: هل كان التأثير والتأثر عبر البحر الأحمر، هل كان دوما تأثيرا ذو اتجاه واحد .. شرقي غربي فقط؟.
في ذلك يقول دكتور جعفر مرغني: (أني كنت دائما أقول أن البحر أينما وجد فهو سبب قوي للاتصال، ألا ترى أن كل بحر ضاق أو اتسع فبين الأمم التي تسكن بين جانبيه تقارب كبير)(23).
ويورد الدكتور أن من معاني كلمة (حبش) في كلام العرب الأقدمين (هو السودان أينما كانوا وكيفما جاءوا، واستخدام اللفظ بهذه المعاني كلها قريب من استخدام "أثيوبيا" فهي تعني، فيما تعني، السودان "يعني السود" أين كانوا وتعني بلدا بعينه يقع جنوب مصر)، ويضيف: ( والحبشة بهذا المفهوم- أعني السودان- كان لها حضور في الحجاز نفسه وفي مكة ذاتها) .. (فمن أجناس العرب النازلين حول مكة "الأحابيش").
ويورد الدكتور عن ابن حبيب في كتابه "المحبر" أنه (ذكر أبناء الحبشيات من العرب فذكر أناسا من مكة كثيرين)، (وذكر نفرا من أبناء الحبشيات ثم من آل البيت).. وهذا قد اقتصر على ذكر الأمهات. ويضيف الدكتور ( أن في بعض كلام الجاحظ ما ينبئك أن التزاوج لم يكن في اتجاه واحد) أي أن التزاوج لم يقتصر على زواج العرب من السودان، وأن الجاحظ ( قد كتب في رسالته "فخر السودان على البيضان": قالت الزنج للعرب: من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم فلما جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسدا، مع أن البادية منا ملأى ممن تزوج ورأس ومنع الذمار).
وهذه وجهة سارية وراسخة في اتجاهات التأثير والتأثر، وهذا مما لا يريد البعض أن يراه، ونتحدث دوما عن تأثير شرقي غربي، وبذلك نحن أيضا ننسى عدل الإسلام الذي جعلنا أكفاء أمام بارئنا إلا بفارق التقوى.
ويضيف الدكتور جعفر مرغني أن العرب قد (خرج جماعة منهم كثيرون من جزيرتهم رأسا واستقروا في أرض المعدن بين عيذاب وبين أسوان في وادي العلاقي، وتربصوا هناك يعملون في المعدن وفي التجارة يتحينون فرصتهم لدخول السودان، ومنهم عرب الحجاز قريش وبنو هلال وغيرهم وعرب جهينة وقحطان وعرب ربيعه، وقد كانت لهم محاولات صادقات في الدخول عنوة تحت قوة السلاح إلا أن النوبة والبجا صدوهم مرارا فلبثوا في أرض المعدن قرونا، وهناك خالطوا البجا وتزاوجوا معهم ومن خلال المعايشة والتزاوج والتوالد تمت سودنتهم. فأنا أسمي بلاد البجا المصفاة السودانية الكبرى لأنه لم يتجاوزها عربي فيدخل السودان إلا مسودنا قد تخلق بأخلاق أهل البلاد وتزيا بزيهم وعرف لغتهم وامتزج بمزاجهم).
وعن ميناء "باضع" يورد د. صلاح الدين الشامي (ويؤكد جغرافيو العرب أن عرب باضع وأصحابها كانوا متأثرين من حيث الصفات العامة بسكان الظهير من البجاة .. وكأنهم يتشبهون بالهندوة والبني عامر)(24)، ويضيف: ( ويقوم ذلك دليلا واضحا على أن العرب في باضع كانوا على علاقات قوامها الود والصداقة وربما التزاوج والاختلاط مع سكان منطقة الظهير).
هذا عن المنطقة وأهلها .. والواضح من رأى الدكتور جعفر مرغني أنه يرى أن كل من دخل إلي المنطقة إما أنه قد تحول عن ثقافته وحمل ثقافة أهلها، أو أنه قد انزوى، أو إنه قد ارتحل. أما الحديث عن نسب للدم العربي في دماء البذاويت فهذا ما لا يملك أحد معيارا لقياسه، مع الإقرار بوجوده، ولعل الأمر في حاجة لدراسة مقارنة في علم الأجناس، وإلى أن تتوفر مثل تلك الدراسة فإننا لا نملك غير التعامل مع الواقع الماثل أمامنا، ولكن الواضح أيضا أن التأثير والتأثر بين ساحلي البحر الأحمر ذو اتجاه مزدوج، حدث هناك في الشرق أولا ثم حدث هنا في الغرب، بل الواضح أن ما حدث هنا كان أعمق أثرا. ولعل في كلام ابن حبيب والجاحظ، وكلام دكتور جعفر مرغني وكلام دكتور الشامي بعض تبيان للموضوع.
ولابد لي هنا من مناقشة رأي أورده الدكتور جعفر ميرغني في سياق نقاشه ذاك، وهو في ذلك يوافق رأيا أورده هو للأستاذ محمد أدروب أوهاج قال فيه أن ( القبائل الموجودة اليوم هي غير القبائل القديمة وإن سكنوا الأرض نفسها وخلفوا أهلها عليها واحتفظوا بجملة أصولها وتقاليدها)، إذ يقول الدكتور أن البجا (قبل تزاوجهم بالعرب وغلبة النسب العربي فيهم..)
وملخص ما يقوله الأستاذان هو أن القبائل الموجودة اليوم:
أ / قد خلفت أهلها على هذه الأرض.
ب/ قد احتفظت بأصول القبائل القديمة.
ج/ قد احتفظت بجملة تقاليد القبائل القديمة.
د / ( ونضيف من الواقع) أن هذه القبائل قد احتفظت بلغة القبائل القديمة.
ولكن ورغم كل ذلك يقول الأستاذان أن القبائل الموجودة اليوم غير القبائل القديمة، وأن النسب العربي قد غلب عليها !.
ولعل المجال هنا لا يسمح بنقاش متوسع لرأي دكتور جعفر ميرغني، إلا أنه من الضروري إيراد آراء أخرى ذات علاقة أوردها الدكتور في مقالته تلك، وملخصها هو أنه يميز بين نوعين للأدب العربي وهما ما أسماهما " أدب مدرسي" و " أدب شعبي"، وقال عن الأدب "المدرسي" أنه أدب ( لم يخرج تخريجا يجعل كل من تعاطاه قادرا على أن يصف بالدقة ما يشاهده)، ويقول عن الأدب " الشعبي" ( إنه أدب لم يطوف البلاد إنما هاجر من جزيرة العرب رأسا وتغلغل تدريجيا واحتك بالبيئة السودانية من قريب فعبر عن معطياتها أصدق تعبير).. ويضيف: (أن الخصام مازال قائما بين التعاطي المدرسي للأدب والتلقي الشعبي).
ولقد سميتُ الأدب الأول: " الأدب الأصولي" إذ أنه أدب لا يقدر من تعاطاه أن يصف ما يراه بدقة .. إذن فهو أدب يقولب حامله الأشياء في قوالب تصوراته الخاصة مهما كان الواقع ولا يقبل ما يراه، بل ويراه وكأنه (لا وجود له). ولقد أسميت الثاني " الأدب الواقعي" فهو أدب يعبر أصدق تعبير عما حوله وتحت بصره لا من خلال محمولاته الخاصة، وهو بذلك قادر على أن يقر بالواقع مهما كان تنوعه أو اختلافه. وفيما ارى فإنها لمسألة حتمية أن (يقوم خصام) بين الاثنين، فهو خصام بين منهجين للتفكير يختلفان نوعاً. إذ كيف تكون [الوقائع] هي أن البذاويت ما زالوا في نفس أرضهم لم تزيحهم عنها أمة أخرى، وأنهم قد احتفظوا بأصول قبائلهم القديمة، واحتفظوا بتقاليد تلك القبائل، واحتفظوا بلغة أجدادهم .. ثم أن العرب لبثوا قرونا في أرض المعدن وهناك خالطوا أهل المنطقة وتزاوجوا معهم، وأنه ومن خلال ذلك قد تمت سودنتهم اذ لم يتجاوزهم عربي فيدخل السودان إلا مسودنا قد تخلق بأخلاق أهل البلاد وتزيا بزيهم وعرف لغتهم وامتزج بمزاجهم.. ثم يكون وبعد ذلك كله [الفكرة] أن ( القبائل الموجودة اليوم هي غير القبائل القديمة) أو ( أن النسب العربي قد غلب عليهم)؟!؟.
وما نجده هنا وضع معكوس الأصل فيه [الفكرة] المسبقة لا [الوقائع]، بل المطلوب هو أن نحشر الوقائع، مهما كانت، في تلك الفكرة.
ولعله من حقنا الآن أن نتساءل: أكان من الممكن ان يكون البذاويت موجودين، نفس الأشخاص بلحمهم ودمهم كل هذه القرون حتى يراهم البعض (من حملة الأدب المدرسي)؟ وبهذا المعيار كيف سيكون الهنود، مثلا، هنودا؛ وما قيمة قولنا إذا قلنا أن الهنود الموجودين اليوم ليسوا هنودا حتى إذا خلفوا جدودهم على أرضهم أو حتفظت قبائلهم بأصول القبائل القديمة أو بجملة تقاليد تلك القبائل او حتفظت بلغة القبائل القديمة. وكيف سيكون العرب عربا؟
وفيما يتعلق بالاسم لعلنا قد وضحنا الآن ان الاسم مصدره لغتهم، وكما اسلفنا فإن تغيُر تلك الاسماء لم يكن ليغير شيئا في حقيقة وضع البذاويت في المنطقة.


هوامش


(1) كتاب: العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي، الأستاذ محمد سعيد ناود-صفحة (58).


(2) ويرد عن سترابو (54 ق م- 24 ق م) عن التروقلوديته انهم (سكنوا الصحراء الشرقية فكان حدهم الشمالي برنيس (رأس بناس) والغربي النيل. وأنهم ( يحترمون المسنات من النساء كل الاحترام حتى انهم اذا كانوا في اشد قتالهم ودخلت بينهم امرأة مسنة تركوا سلاحهم وكفوا عن القتال)- تاريخ السودان لنعوم شقير صفحة (50).


(3) تاريخ السودان لنعوم شقير صفحة (79).


(4) راجع مقالة: شذرات من تاريخ البجا- الاستاذ/ ادريس لبراهيم جميل – جريدة الخرطوم.


(5) أنظر صفحة (126) من كتاب: [ A DICTIONARY OF LINGUISTICS ] – David Crystal - .Blackwell publisher الطبعة الثالثة؛ مادة: [Etymology ].


(6) الموسوعة البريطانية، الجزء الثاني صفحة (52).


(7) تاريخ السودان لنعوم شقير، صفحة (79)- طبعة دار الجيل، بيروت 1981 تحقيق الدكتور محمد ابراهيم ابو سليم.


(8) " شذرات من تاريخ البجا "؛ الأستاذ/ إدريس إبراهيم جميل مصدر سابق.


(9) انظر كتاب: [A DICTIONARY OF LINGUISTICS] الطبعة الثالثة، صفحة (300).


(10) لتفصيل أكثر حول ذلك راجع المرشد: أدوات التعريف.


(11) دكتور كمال سليمان الصليبي- كتاب: التوراة جاءت من جزيرة العرب صفحة (60).


(12) راجع كتاب: [ مقدمة في فقه اللغة العربية] للدكتور لويس عوض، صفحة (34).


(13) انظر: أطلس جمهورية السودان، الطبعة السادسة 1987 صفحة(4)؛ وانظر ملحق الخرائط من كتاب:[ البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي] تأليف د.عبد العزيز سالم- 1993 م- مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية.


(14) نيقولا جريمال- كتاب[تاريخ مصر القديمة]، دار الفكر للدراسات والنشر صفحات (260-266).


(15) تاريخ السودان لنعوم شقير، المصدر السابق.


(16) أنظر كتاب:[اللغة النوبية كيف نكتبها؟] للدكتور مختار خليل كباره- نشر مركز الدراسات النوبية والتوثيق، القاهرة- صفحة (76) الحرف العاشر.


(17) راجع كتاب: (Tu Bedawie) صفحة (160).


(18) انظر صفحة (217) من: [ .. A DICTIONARY OF].


(19) راجع كتاب: [العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي]، محمد سعيد ناود، صفحة (65).


(20) تاريخ السودان لنعوم شقير صفحة(51).


(21) من مقالة للبروفسور/ حسن أبو عائشة، جريدة الخرطوم - العدد (1292)، 12/9/1996.


(22) من مقالة عبد اللطيف رحمة الله جبارة، جريدة الخرطوم 14/7/1996.


(23) راجع مقالة " المعربات السودانية"، مجلة "حروف" العدد (2/3) مزدوج 1991، صفحات (50-73).


(24) كتاب: "الموانئ السودانية"- صفحة 66.

مصادر المادة


1. كتاب: العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي، الأستاذ محمد سعيد ناود.
2. جريدة "الخرطوم"، مايو 1997- سلسلة مقالات "شذرات من تاريخ البجا"؛ الأستاذ/ إدريس إبراهيم جميل، الرياض.
3. كتاب A DICTIONARY OF LINGUISTICS – David Crystal - .Blackwell publisher لطبعة الثالثة.
4. كتاب: مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن- الطبعة الأولى، تاليف "سباتينو موسكاتي" وآخرين، عالم الكتب، بيروت.
5. الموسوعة البريطانية عن البجا، الجزء الثاني.
6. تاريخ السودان لنعوم شقير- طبعة دار الجيل، بيروت 1981 تحقيق الدكتور محمد ابراهيم ابو سليم.
7. إصدارة (بداويّت) العدد الأول: النظام العددي.
8. إصدارة (بداويّت) العدد الثاني: أدوات التعريف.
9. إصدارة (بداويّت) العدد الخامس: الحروف.
10. انظر كتاب: [A DICTIONARY OF LINGUISTICS] الطبعة الثالثة، صفحة (300).
11. معجم بجاوي عربي- الأستاذ محمد أدروب أوهاج.
12. كتاب [Tu Bedawie] - تأليف: E.M.Roper ، عام 1928، وهو كتاب لاستعمال الرسميين الإنجليز فترة وجودهم في السودان.
13. ورقة "The Beja Language History and Prehistory"– اندريه زابروسكي، المؤتمر الدولي الأول: (نحو كتابة البذاويت).
14. كتاب: [البـُجة والعرب في القرون الوسطى] د. مصطفى مسعد- مجلة كلية آداب عين شمس، ديسمبر 1959.
15. كتاب: التوراة جاءت من جزيرة العرب، دكتور كمال سليمان الصليبي.
16. كتاب: مقدمة في فقه اللغة العربية، دكتور لويس عوض، دار سينا للنشر، القاهرة، الطبعة الثانية 1993م.
17. أطلس جمهورية السودان، الطبعة السادسة 1987.
18. كتاب: البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي، دكتور عبد العزيز سالم- 1993م – مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية- ملحق الخرائط.
19. كتاب: تاريخ مصر القديمة، نيقولا جريمال، الطبعة الثانية، دار الفكر للدراسات والنشر- القاهرة 1993.
20. كتاب: اللغة النوبية كيف نكتبها؟– دكتور مختار خليل كباره، نشر مركز الدراسات النوبية والتوثيق، القاهرة.
21. كتاب: طبقات ود ضيف الله، محمد النور بن ضيف الله، الطبعة الثالثة، دار التأليفل والترجمة والنشر- جامعة الخرطوم. حققه وعلق عليه وقدم له الدكتور يوسف فضل.
22. كتاب: تاريخ شرق السودان للأستاذ محمد صالح ضرار.
23. مقالة البروفسر حسن ابو عائشة، جريدة الخرطوم العدد (1292)، 12/9/1996.
24. مقالة عبد اللطيف رحمة الله جبارة، جريدة الخرطوم 14/12/1996.
25. مقالة "المعربات السودانية"، دكتور جعفر مرغني- مجلة "حروف" العدد (2/3) مزدوج 1991.
26. كتاب: الموانئ السودانية- الدكتور صلاح الدين الشامي، نشر مكتبة مصر 1961، سلسلة الألف كتاب العدد (378).
27. مجموعة من أغاني البذاويت.

1 comment:

negash said...

you are i think u are eritrea and u talk about eastern sudan from where do u now this history and what is your aim praparing like this web blog what do u want from us do ur countries issue do n't bother us.