Thursday, June 21, 2007

إبتدار لحوار حول مآلات الأوضاع في شرق السودان

إبتدار لحوار حول مآلات الأوضاع في شرق السودان

اعداد: أ. عمر مهاجر

مثلها ومثل مشكلات وازمات الوطن الكبري فان قضية شرق السودان بتفاعلاتها وتداعياتها المختلفة تندرج موضوعيا تحت عنوان قضايا التخلف الاقتصادي والاجتماعي والانساني السائد في البلاد بواقع ان التخلف ظل في موقع الحاضن التاريخي لاشكالات الوطن الكبري، وهو ايضا المناخ الذي ترعرعت في اجوائه كل حالات الوهن والضعف التي عززت مسيرة التنمية المعكوسة أي تنمية التخلف في السودان وما نجم عنها من ضمور في هياكل الخدمات الاساسية والبنية التحتية وانتشار المجاعة والامراض وتناسل الفقر وسوء التغذية.
ان المنتج الاساسي الذي انجب مشكلات السودان المعاصرة في الوسط والشرق والغرب والشمال واوصلها اليوم الي نقطة فارقة وفاصلة صار الوطن فيها علي مفترق طرق بان يكون وينهض او ان يتلاشي ويتفكك وتتكالب علي بقاياه الجيران حيث يفترس كل منهم ما يطمع فيه من خير يقع علي تخومه... ان ذلك المنتج السالب يكمن اساسا في العجز والقصور الذي توطن واستقر في مناهج وقدرات وارادات القوي والتيارات السياسية التي صار زمام امر البلاد والعباد في يدها منذ عشيات الاستقلال الوطني، سواء ان جاءت تلك القوي من المؤسسة الطائفية او المؤسسة العسكرية.
فقوي وتيارات الحكم في المركز منذ الاستقلال فشلت في استيعاب وادراك مجمل الظروف والوقائع التاريخية التي اسهمت في تشكيل السودان المعاصر والكيفيات اتي تاسست علي قاعدتها البنيان الوطني الذي ورثته من الاستعمار البريطاني عام 1956م، وهو بنيان مجتمع متخلف يغلب علي تكوينه وولاءته المعيار القبلي والعنصري والجهوي حيث لا ولاء ولا قيمة تعلو عليه.
ان تلك النخب فشلت في ادراك وتحصيل الدواء الشافي الذي من شأنه ان يصهر ويوحد تلك التشكيلات الاجتماعية المتخلفة وغير المتجانسة في كيان عصري حديث ترتكز قاعدته في احداث تنمية اقتصادية واجتماعية وتنمية بشرية مستدامة وتراكمية تقوم علي مبادئ العدالة والتوازن في توزيع مشاريع الاعمار والخدمات علي مستوي كافة مناطق واقاليم البلاد بالتوظيف الجيد لما هو متاح من موارد كامنة وظاهرة وهائلة حبا الله بها بلاد السودان علي ماعداها من اصقاع الدنيا.
ان فشل تلك النخب في امتلاك مشروع نهضوي يراعي خصوصيات المجتمع ومعطيات تكوينه التاريخي وينهض بالواقع الي امام ادي الي انفجار الازمات التي حاصرت الحكم من كل الاتجاهات، ومما زاد في بلة الطين انفجار الحرب الاهلية في الجنوب واستمرارها بسند وتدبير مخططات دولية واقليمية وهو امر لعب دورا محوريا في تآكل الموارد المحدودة وبروز ظاهرة الانقلابات العسكرية.
ازاء ذلك الواقع المر والتحديات المتعددة التي يطرحها علي صعيد الواقع الاجتماعي والانساني والوطني تحرك المجتمع التقليدي الراكد والرابض علي تخوم المركز عبر متعلميه باحثا عن ذاته وعن استحقاقاته الوطنية، وهكذا برزت إلي السطح التنظيمات القبلية والجهوية ومن ضمنها مؤتمر البجا في شرق السودان طارحا نفسه كآلية سياسية وتيار ضاغط باتجاه قضايا التنمية والخدمات في شرق البلاد، مع ظهور تنظيمات اخري مماثلة انتهجت المنحي القبلي في بنيانها واطروحاتها في دار فور وجبال النوبة.
وبالرغم من تلك الانذارات الداوية فقد استعصت قضية التنمية بمنظورها الشامل في هياكل الحياة الاجتماعية في البلاد مع استمرار نزيف الحرب الاهلية في الجنوب والتي استهدفت مشاريع التنمية والخدمات المحدودة والتي تم انشائها في الجنوب وهي حرب اخذت مسارا سياسيا جديدا بعد نهاية الحرب الباردة وتلاشي الاتحاد السوفيتي وصعود الولايات المتحدة منفردة ومهيمنة علي النظام الدولي ومؤسساته وقوانينه ومعاييره، وهي ذات المرحلة التي غيرت فيها قيادة الحركة الشعبية جلدها الماركسي بجلد امريكي واطلسي واسرائيلي فاندمجت بالتالي عضويا في اطار الحسابات والاجندات الكونية للولايات المتحدة الامريكية في الاقليمين العربي والافريقي وتحولت بذلك الي ترس في عجلة الاستراتيجية الامريكية.
بعد انقلاب يونيو 1989م اتخذت المعارضة السودانية من العاصمة الارترية مقرا لها، وارتريا التي يحكم الفقر وقلة الموارد واقع حالها الاقتصادي والاجتماعي ظلت منذ استقلالها تراهن علي استثمار موقعها في الجغرافيا السياسية لمن يدفع اكثر دون مراعاة لحق جيرانها في الامن والاستقرار.
وبوجود المعارضة السودانية في ارتريا بدأت تتبلور ملامح الاستراتيجية الامريكية تجاه السودان متمثلة في نظريتي ضرب اسفل الجدار وشد الاطراف وبترها، وهي استراتيجية تعززت مظاهرها العدوانية بعد انتاج النفط السوداني وتسويقه وذلك بالرهان علي المعطيات الاتية:-

1. ان الحركة الشعبية تحولت حقيقة الي اداة ضاربة في حسابات واجندات السياسة الامريكية في المنطقة وصيرورتها الي مطرقة لاستنزاف الموارد البشرية والاقتصادية في السودان واحداث الوهن والضعف في تراكيبه الاجتماعية.

2. رخاوة وهشاشة الاوضاع الاجتماعية والسياسية في غرب السودان وشرقه بواقع توطن التخلف وضعف معدلات النمو وضعف البنيات التحتية في تلك المناطق و انتشار الفقر والجهل والمرض.

3. بروز وصعود جهات عديدة في الداخل والخارج تعمل بدأب شديد علي ترويج وتسويق نموذج قرنق والحركة الشعبية واعتماده كصيغة والية للعمل السياسي والعسكري، مع ترويج ذلك التوجه وسط مثقفي غرب السودان وشرقه.

4. ان استخراج البترول وانتاجه وتسويقه في السودان يعتبر خطاً احمراً في رؤية الاهداف الامريكية للسودان حيث ظلت الادارات الامريكية الاخيرة منذ الثمانينات تنظر الي موارد وثروات السودان باعتبارها احتياطيا للشركات والاحتكارات الامريكية بحيث لا يحق لكائن من كان ان يبدأ في استثمار تلك الثروات.

5. اعتماد استراتيجية ضرب اسفل الجدار ونظرية شد الاطراف وبترها لانهاك قدرات السودان وتهيئة الاجواء لمشاريع تفتيته وتفكيكه وتوظيف جيران السودان وتيارات العمل السياسي والعسكري الجهوي لانفاذ تلك الاهداف.
ان استراتيجية ضرب اسفل الجدار بالتكامل مع نظرية شد الاطراف وبترها الاسرائيلية صارت تؤتي بعض ثمارها المرّة في اطار استهدافها المحسوب لدائرة الشمال الكبير اي الشمال المسلم العربي. وذلك عن طريق تمدد وتوسع رؤية السودان الجديد وفقا لمنهاج قرنق. فبعد ان استوت بعض من ثمارها في جنوب السودان اخذت تمدد مقاصدها إلي غرب السودان لتنتقل في ما بعد إلي شرقه، وذلك بعد ان تم تقسيم شمال السودان الكبير في مطابخ التآمر بالدول الغربية واسرائيل إلي غرب السودان وشرق السودان وشمال السودان ووسط السودان.
فالغرب اشتعلت فيه النار والشمال تحول إلي مادة للسخرية والبغضاء والشرق تتحاوم حوله نذر الفتنة والتآمر ومخططات تحويله الي غرب اخر خاصة وان جباله تحتوي علي كميات كبيرة من النفط والذهب و اليورانيوم، وتلك الثروات تظل علي الدوام مرابض لخيل امريكا وبريطانيا واسرائيل، علما بان انفجار الاوضاع في الشرق علي شاكلة ما جري في الغرب وبذلك الايقاع السريع فان السودان سيكون مجرد خبر لكان. وفيما اذا صحت سلامة هذه الرؤية فانه يحق علينا ان نطرح تساؤلات متعددة يظل ابرزها كيف نؤمن شرق السودان من الفتنة ومشاريع الحرب الاهلية ؟؟؟ وكيف نستثمر آمالنا في حماية الشرق وتآمينه ليكون آلة رافعة لمشروع توحيد ونهضة السودان؟؟؟ وكيف الطريق الي مشاركات راشدة ومسئولة لابناء الشرق في ادارتي الحكم الاتحادي والولائي بلا مزايدات او مناقصات او مقترحات تعجيزية ؟؟؟ ... وكيف الطريق الي تصميم وانجاز مشروعات اسعافية وخدمية ومشاريع للاعمار تردم فجوات النمو غير المتوازن بين الشرق ومناطق اخري؟؟؟ وكيف الطريق الي بناء متراس وطني نصد به طموحات الطامحين والطامعين ولوأد المشاريع الاجنبية الهادفة إلي تمزيق السودان؟؟؟ ... حيث يظل ماثلا امام اعيننا المخطط الاسرائيلي الصهيوني في العراق وكردستان وافغانستان. وكذلك ماهي ملامح المشروع التنموي الذي يفكك عقدة الولاءات الضيقة ويفتح الطريق امام بوابة الولاء الوطني المفقود... ثم ماهي اليآت المشروع الوطني النهضوي الذي يحتضن قضايا الوحدة الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة واستقلالية الارادة الوطنية لبناء سودان عصري وحديث ...

تلك التساؤلات وما يماثلها تشكل جوهر ولب الحوار الوطني وهذا ما نتطلع اليه في هذه الحلقة النقاشية.

No comments: