Friday, June 22, 2007

هل الإسلام دين ليبرالي؟

هل الإسلام دين ليبرالي؟

عادل عبد العاطي
adil@o2.pl


(قراءة أولية في أطروحات مدارس الإسلام التقدمي)



مقدمة:

في زعمي إن كل الأديان والثقافات الكونية؛ تحمل في داخلها عناصراً متعددة ومتناقضة في بعض الأحيان؛ ولذلك يمكن أن تجد فيها الشيء ونقيضه؛ والإسلام في ذلك ليس مختلفا؛ ولسبب ما قال الإمام على ابن أبي طالب: القرآن حمال أوجه.


عندما نتحدث عن الإسلام؛ فنحن نتحدث عن عالم كامل من القيم والعقائد والعبادات والشرائع والنصوص والممارسات الخ .. إن الإسلام قد تحول إلى ثقافة وحضارة أو قل ثقافات و حضارات؛ ولم يعد فقط دينا .. لذلك فان البحث كما أشار بعض الإخوة عما كان الإسلام دينا ليبراليا أم لا - بهذه الصورة العامة لا طائل من ورائه. إذ يجب أن نحدد أي إسلام نعنى أو أي قسم من الإسلام نقصد: عقيدته أم معاملاته ؛ الإسلام الأول في المدينة أم إسلام الحضارة الإسلامية المتقدمة ( في عهد الأمويين والعباسيين) أم إسلام عهود الانحطاط و الطوائف؟ الإسلام الشيعي أم السني ؟؟ إسلام السلفيين أم إسلام الصوفية المعروف بالإسلام الشعبي الخ .


لذلك فانا لا أفضل الحديث عن ليبرالية الإسلام أو عدم ليبراليته؛ حتى لا نسقط في دائرة الافتراء وعدم العلمية.. وإنما أفضل الحديث عن تفسير ليبرالي للإسلام أو تفسير غير ليبرالي للإسلام. أفضل الحديث عن مسلمين ليبراليين أو غير ليبراليين؛ لأن هذه قضايا محددة ويمكن الحسم فيها؛ بينما لا يمكن الحسم بكلمة واحدة عن طبيعة الإسلام المعقدة.



التيار العقلاني في الإسلام في العصور الوسيطة:

بالنسبة لمحاولات تأسيس مدارس إسلامية عقلانية أو ليبرالية؛ فان لنا في التاريخ محاولات كثيرة ناجحة أو فاشلة لتفسير الإسلام بصورة عقلانية أو ليبرالية؛ يمكن أن نستذكر بعضها هنا .



ففي العصور الوسيطة كانت مثلا مدرسة المعتزلة تركز على العقل بشكل أساسي وليس على النص؛ وبذلك فأنها كانت مدرسة عقلانية إلى حد كبير. وبوقوفها مع التخيير وليس التسيير فقد كان فيها ملمح للوقوف مع حرية الإنسان في الاختيار ومسؤوليته عن ذلك الاختيار؛ ولكنها في الحقيقة لم تكن مدرسة متسامحة حيث أنها لما وصلت السلطة حاولت إرغام مخالفيها على اعتناق فكرها..



نفس الشيء يمكن أن نقوله عن المدرسة السابقة للمعتزلة - القدرية - أو عن مدرسة أخوان الصفا؛ والتي كانت محاولات لتفسير الإسلام بشكل عقلاني.



السلفية والتجديد في العصور الحديثة :

وفي إعقاب انحطاط "الدول الإسلامية " وتقسمها ووقوعها أولا تحت التأثير المغولي ثم العثماني ؛ وثانيا تحت الحكم الأوروبي المباشر؛ بدأت دعوات جديدة للإصلاح وللنظر في حال الإسلام والمسلمين - وفي حال المسلمين بصورة اكبر - . ارتبطت هذه الدعوات بادراك الهوة الواسعة التي يعيش فيها المسلمون عن المواطنون في الغرب؛ وكذلك التأخر الشديد للعالم الإسلامي والدول الإسلامية مقارنة مع دول الغرب الأوروبي.


أنتجت هذه الدعوات تيارين: الأول هو التيار الإصلاحي التجديدي ؛ ذو الملامح العقلانية أو الليبرالية أو التقدمية؛ والثاني هو التيار السلفي .. التيار السلفي عبر عن نفسه في شكل حركات جهادية ( المهدية ؛ السنوسية ؛ الوهابية ؛ ثورة الأمير عبد القادر ) الخ ؛ أو في شكل حركات فكرية سياسية (حسن البنا وحركة الأخوان المسلمين في مصر وما تفرع عنهم من حركات؛ الحركة الإسلامية في الهند بقيادة المودوي والندوي وجناح الخ ؛ حركة المرجعيات الشيعية في إيران والتي أنتجت في المحصلة الثورة الإسلامية في إيران) وحركات وتيارات أخرى اصغر .

التيار الإصلاحي التجديدي – اللا سلفي - كان في بدايته قويا ؛ سواء من حيث الفكر أو من حيث النشاط السياسي. لنا في المجال الفكري أن نذكر في الشرق والغرب أسماء أساسية داخل هذا التيار مثل عبد الرحمن الكواكبي ورفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني وإقبال ومحمد عبده وقاسم أمين الخ ..



على المستوى السياسي حقق هذا التيار نجاحات كبيرة ولكن قصيرة المدى؛ مثل ثورة المشروطة في إيران أو الثورة العرابية في مصر أو حركة الجديد في روسيا القيصرية والتي وصلت للسلطة في جمهورية كوكناد ذات الحكم الذاتي في 1917 أو حزب اتفاق المسلمين الليبرالي في روسيا ذو التأثير الكبير على الثورة الروسية؛ قبل أن يُقمع وتُقمع حركة الجديد وجمهوريتها من قبل البلاشفة في 1918 .



هذا التيار الليبرالي أو التجديدي أو التقدمي - سمه ما شئت - في حركة البعث الإسلامي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ؛ بدأ في الانحسار والتراجع تحت تأثير ضربات قوتين رئيسيتين : السلفية والشيوعية .



السلفية في تحالف مع الأنظمة الرجعية كانت ذات مصلحة أساسية في ضرب هذا التيار لأنه يزاحمها على أفئدة المسلمين؛ والشيوعية حاربته باعتبار انه كتيار ليبرالي أولا وكتيار يعتمد على أيدلوجية إسلامية ثانيا يشكل عليها خطرا ماحقا؛ وذلك في مناطق حساسة لها في آسيا الوسطى وفي روسيا نفسها؛ فكان أن ضربته بلا رحمة وصفته تصفية جسدية شاملة - في مدينة كوكناد فقط قتل البلاشفة 14 ألف شخص من قادة وأعضاء ومؤيدي حركة "جديد" -.



على كل حال يبقى كتاب حركة الإسلام التقدمي في روسيا القيصرية ونضالاته وعذاباته والمجازر التي نصبت له كتابا مغلقا حتى يتم التوفر على فتحه ذات يوم؛ وهو كتاب يحكي حركة غنية جدا من الناحيتين الفكرية والسياسية.


فشل التيار التجديدي في حركة البعث الإسلامي:

تيار الإسلام التجديدي ارتبط بظرفين: الأول هو انحطاط الدول الإسلامية وسيادة الاستبداد فيها؛ وكذلك الاصطدام مع الغرب. وقد رأى ذلك التيار الخلاص في التمسك بالإسلام كعقيدة والرجوع إلى الإسلام الأول من جهة؛ مع الانفتاح على الفكر الحديث وخصوصا الديمقراطية والدستورية والاستفادة من تجربة الغرب الخ من الجهة الثانية ..هذا التأثر بالغرب أدى لان يصاب المسلمون المجددون بحرج كبير؛ حيث تم اتهامهم من قبل الرجعيون والتقليدين والسلفيون بموالاة الغرب وإنهم يريدون النقل عنه.. ولا يزال هذا الاتهام موجه تجاههم إلى اليوم.


من ناحية أخرى ورغم أصالة بعض البلدان التي قام فيها الإسلام التجديدي من الناحية الحضارية وإسهامها التاريخي القديم( مصر؛ بخارى ؛ إيران) الخ؛ إلا إن هذا التيار لم يعتمد على قاعدة صلبة من الطبقة الوسطي أو من التحولات الاقتصادية الاجتماعية. وقد قلنا آنفا إن الليبرالية مرتبطة بدرجة معينة من التطور الاقتصادي والاجتماعي وتبلور الطبقة الوسطى وازدياد الفردية في العلاقات وتكسر الأنماط التقليدية في الإنتاج والعلاقات وبروز المدن الخ .. بينما كانت معظم البلدان الإسلامية تعيش تحت وطأة العلاقات العشائرية والإقطاعية والقبلية القديمة.


هذه الظروف الموضوعية؛ إضافة إلى القمع العنيف الذي تعرضت له الحركة السياسية للإسلام التقدمي - الحركة العرابية ؛ حركة "جديد" ؛ حزب اتفاق المسلمين الخ؛ أدت إلى انحسار هذا التيار؛ وتقدم التيار السلفي على حسابه .. وان كانت هناك جزر صغيرة لا تزال لمشروع وتجربة الإسلام التقدمي أو المسلمين التقدميين ؛ منها مشروع "الإسلام الحضاري" الذي طرحه عبد الله بدوي في ماليزيا أو حركات "الإسلام التقدمي" المنتشرة في الغرب وخصوصا في الدول الاسكندينافية وشمال أمريكا.



تقييم الحركة التجديدية وبديلها المعاصر:

عموما في وجهة نظري؛ يظل التيار التجديدي هذا أو التقدمي في التفسير الإسلامي ضعيفا فكريا وسياسيا وتنظيميا. ويرجع انتقادي الرئيسي له انه يحاول أن يفسر الإسلام عبر منظاره هو؛ أي إن ما يطرحه في الحقيقة ليس هو الإسلام؛ وإنما تفسيره للإسلام. بهذا المعنى يحاول أن تكون له نفس مشروعية الحركة السلفية التي تطرح تفسرها للإسلام وكأنه هو الإسلام نفسه . إن مشكلة تيار الإسلام التجديدي أو التقدمي هو انه يحاول أن يحل القضايا المدنية والاجتماعية وقضايا الإنسان؛ بالاعتماد على أيدلوجية دينية وقضايا الله .


في رأيي الشخصي أن يتم التعامل مع الجانب العقائدي والعباداتي للإسلام كما هو؛ أي بدون محاولة لتفسيره سلفيا أو ليبراليا أو اشتراكيا؛ باعتباره يقع في إطار الضمير والعقيدة وعالم الغيب. أما الجوانب المدنية والسياسية والقانونية الخ والمتعلقة بحياة الناس ؛ فيجب أن تُدرس وتُفسر وتُعالج بمنهج مدني وبدون الاعتماد على فكرة دينية بعينها.



ومن هنا يكون البديل لحركة الإسلام التقدمي وحركة الإسلام السلفي على السواء؛ هو الحركة الليبرالية الحديثة في العالم الإسلامي؛ والتي تعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله؛ أو بتعبير أكثر دقة؛ تعطي ما لله لله

No comments: