Thursday, June 7, 2007

الشرق.. بين الاوجاع والرجاء(الصحافة) كتبها عبدالمنعم ابوادريس

الشرق.. بين الاوجاع والرجاء(الصحافة) كتبها عبدالمنعم ابوادريس
عندما حزمت اوراقي واتجهت شرقاً كانت صفحة التفاوض المؤمل فتحها في طرابلس قد طويت قبل ان يكتب عليها سطر واحد بفعل تجاذب حدث بين ليبيا واريتريا، كما ان نذر المواجهة بين الحكومة وجبهة الشرق بدأت ترتفع وتيرتها، خاصة ان اوان انسحاب قوات الحركة الشعبية من شرق السودان ككل ومن مدينة همشكوريب بموجب اتفاقية السلام قد حان لاجل تأخر عن الموعد الذي ضربته الاتفاقية شهراً بتفاهم بين طرفي الاتفاق.

وكانت الأمم المتحدة عبر بعثتها بالسودان قد اطلقت انذاراً بان انسحاب الحركة قد يجر لمواجهة عسكرية بين الحكومة وجبهة الشرق.. بعد ما حدث يوم الحادي عشر من يناير الماضي من اشتباكات في محيط همشكوريب والحكومة قالت هؤلاء مواطنو همشكوريب يريدون العودة الى منطقتهم ولكن جبهة الشرق قالت انها مليشيا قبلية جندتها الحكومة بل ان مسؤولي الجبهة سموهم جنجويد الشرق.

الان دقت اجراس الخطر بدخول عنصر قبلي في الصراع واشفق الناس من تكرار دارفور اخرى اذا دخلت القبيلة في الصراع.

حاولنا هنا ان نبحث في جذور المشكلة واحتمالات لعب القبيلة للدور وهل مجتمع الشرق لديه من الإرث والعادات ما يستطيع به امتصاص الصراع اذا وصلنا الى مرحلته لا قدر الله، وما هي الجهات التي تحاول استخدام القبيلة كوقود في هذا الصراع لخدمة اهدافها.

في البدء:

غالب سكان شرق السودان هم قبائل البجا وهي بحسب الباحث محمد ادروب اوهاج في كتابه «من تاريخ البجا» الصادر عن دار جامعة الخرطوم للنشر 1986م هم عشر مجموعات كبيرة هي البشاريون، الأمرأر، الارتيقة، الاشراف، الكميلاب، الهدندوة، الملهيتكناب، الحلنقة، البني عامر، والحباب.

وهذه المجموعات هي عبارة عن تجمع قبائل خصوصاً الهدندوة والبني عامر وهما المجموعتان الكبيرتان واللتان تزيد مجموع قبائل كل منهما عن خمسين قبيلة.

ومع البجا هناك مجموعات تنتمي لقبائل من مناطق مختلفة في شمال السودان صارت جزءاً من النسيج الاجتماعي للشرق. بالاضافة الى مجموعات موجودة في منطقة القضارف واخرى هاجرت الى شرق السودان منذ مئات السنين وصار لها وجود قوي وخاصة مجموعات الهوسا والفلاتة وقبائل غرب السودان، بالاضافة الى مجموعات صغيرة من جبال النوبة وجنوب السودان، اما المجموعة التي هاجرت الى الشرق بصورة كبيرة وكانت آخر مجموعة تدخل الى الشرق على شكل تجمع قبلي هم الرشايدة والذين تقول الروايات التاريخية انهم عبروا البحر الاحمر من اتجاه الجزيرة العربية قبل حوالى مائة عام وانتشروا في المنطقة الممتدة من طوكر وحتى الحدود مع اريتريا في منطقة كسلا وهم ثلاث مجموعات البراطيخ، البرصة، والزنيمات. ومنذ ذلك الوقت ظل هذا الوجود تحت سلطة القبائل الموجودة في هذه المنطقة التي لديها الدار كما قال لي الباحث في تراث شرق السودان محمد علي سليمان بان السودان اصلاً ارضه موزعة بوصفها دورا لقبائل ومضارب لها.

وتتضح صورة البنية الاجتماعية لشرق السودان بقول مولانا عبد الله درف رئيس لجنة التشريع والامن بمجلس تشريعي ولاية كسلا البنية الاجتماعية لشرق السودان متعددة ومتنوعة ولكن هذا التنوع لم يكن عامل تنافر او تناحر وذلك بفضل المصاهرات التي تمت بين هذه المجموعات القبلية فارتبطت ببعضها البعض بأواصر الرحم والدم فيما عدا بعض المجموعات القليلة التي حافظت على خصوصيتها الاثنية، ولكنها في ذات الوقت اتصلت اجتماعياً بشكل فعَّال مع المجموعات السكانية الاخرى وأسهمت في الحفاظ على النسيج الاجتماعي.

ويعضد حديث مولانا درف الاستاذ عمر شميلاي عضو المكتب القيادي لمؤتمر البجا بولاية كسلا بقوله: ان المجموعات تصاهرت وصار امراً عادياً ان تجد البجاوي ابوه من قبيلة وامه من قبيلة اخرى اذن البنية الاجتماعية لا احد يؤشر بأنها قد تلحق الشرق بدارفور. ولكن من هم المتهمون الآخرون الذين جعلوا هذا التخوف ممكناً. من المحتمل ان يحدث صراع بين الرعاة والزراع يتطور الى صراع سياسي؟ معطيات الواقع تستبعد هذا لعدة اسباب اولها ان الشرق بفعل سنوات الجفاف التي ضربته في مطلع الثمانينات فقد جل ثروته الحيوانية وما عاد الحيوان باعداد يمكن ان تهدد الزراعة، كما ان الزراعة في كل مناطق الاقليم تتم بشكل منظم واولى المناطق التي شهدت زراعة نظامية في السودان كانت في القاش وطوكر. ولكن الأستاذ محمد علي سليمان لا يترك الامر عند هذا الحد لانه يضعنا امام اعراف اهل الشرق في حل المنازعات بقوله: ان اهل الشرق لديهم تراث في حل المنازعات يسمونه «القلد» وهو طريقة في حل المنازعات تقوم على تدخل مجموعة ثالثة في حل نزاع بين فئتين واول شيء تفعله هذه المجموعة التي تقوم بـ «القلد» هو ابعاد المخطئ من مكان الحدث حتى لو كان داره ويسمونه صاحب الشوكة، كما ان الوسيط يقوم على معالجة الجرحى ودفن الموتى والذين لا تقام لهم مأتم.

ثم ينتقل الامر الى مرحلة اخرى هي «الواجاب» وهي ان تأتي القبيلة المخطئة باشخاص لديهم فضل على القبيلة التي وقع عليها الخطأ فيعدون افضالهم عليها ويطلبون منها رد الجميل.

ويضعنا الباحث في التراث البجاوي محمد ادروب اوهاج امام صورة أوضح بسرده لتقليد بجاوي بين المنتصر والمهزوم وهو ان المهزوم يعترف للمنتصر بانتصاره ويطلب منه القيام بالواجب الذي يتمثل في ان يحمله المنتصر الى داره ويعالج جراحه ثم يعيده الى اهله سليماً معافىً.

حسناً هذا في ظل الظروف العادية ولكن شرق السودان مر بتعقيدات كثيرة اول الآثار التي تركتها هي ازدياد معدلات الفقر بصورة كبيرة خاصة في السنوات الأخيرة.

فالشرق منذ مطلع الستينات يعيش اجواء الحرب بسبب حدوده الممتدة مع دولتي اريتريا واثيوبيا، بل ان ارضه في بعض الاحيان صارت جزءاً من مسرح الصراع بين الدولتين وهذا ترك اثره لجوءاً ونزوحاً وتوقف تجارة حدود، وتفاقم الامر عندما فتحت جبهة شرق السودان في الحرب الاهلية السودانية منذ العام 1995م وظلت ممتدة حتى الآن رغم توقيع اتفاق السلام بجانب الحرب فقد كانت ضربة الجفاف في مطلع الثمانينات للشرق قاسية.

وتدهورت المشاريع الزراعية فيه وتأثرت بورتسودان بحالة الاقتصاد السوداني، وفي ظل هذه الاجواء ورغم حالة الانتعاش في الاقتصاد السوداني الا ان بعض المؤسسات في شرق السودان تسببت حالة تطورها في زيادة اعباء شرق السودان في الميناء الوحيد ادت حركة تحديثه الى عطالة ما يتجاوز العشرة آلاف عامل واذا اضفنا الى هؤلاء مزارعي مشروعي القاش وطوكر واللذين تسببت آفة المسكيت في فقدانهم لاراضيهم يصبح هناك جيش عطالة جرار على الرغم من ان الدولة تبذل جهداً في ازالة المسكيت وبلغت المساحة التي تم تنظيفها خلال عام 2005م حوالى «75» ألف فدان.

وجاءت اضافة اخرى لجيش العطالة في الشرق هم خريجو الجامعات والمعاهد العليا فتقول احصائية غير رسمية انه في ولاية كسلا وحدها في منتصف 2005م كان هناك اربعة آلاف خريج عاطل عن العمل واذا اضفنا لهؤلاء الذين فقدوا اعمالهم بسبب مشكلات الصناعة في البحر الاحمر يصبح الامر قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اي وقت وتربة خصبة لزرع اي شئ. اذن تضافرت الحرب والجفاف وعوامل اخرى لخلق حالة الفقر والتي حدت بالدولة اعلان لجنة خاصة لتنمية الشرق في نوفمبر 2004م تعمل على ثلاثة محاور، اغاثة، واعادة تعمير، وتنمية.

ومن مؤثرات الفقر التي يمكنها ان تغذي اسباب الصراع العجز الكبير في القدرة الاستيعابية للمواعين التعليمية حيث تقول احصاءات وزارة التربية ان نسبة الاستيعاب في شرق السودان هي «41%» وتتفاوت الولايات الثلاث في هذا حيث انها في كسلا فقط «6،34%» وفقاً لاحصائية وزارة التربية ولاية كسلا عن هذا العام 2006م ولكنها تتجاوز الـ «60%» في القضارف.

وحتى نسبة الاستيعاب الضعيفة هذه يهددها التسرب، ففي كسلا مثلاً تقول احصائية وزارة التربية ان اجمالي التسرب من مرحلة الاساس هو «8،23%» ولكن ورقة اعدها الاستاذ صالح آدم الموجه التربوي بريفي كسلا تقول بان نسبة التسرب في الريف هي «90%».

ورغماً عن الفقر والجهل تدخل عوامل اخرى يخشى ان تغذي الصراع وهي استخدام القبلية لنيل السلطات. والأستاذ محمد علي سليمان يبدي تخوفاً من ان تجعل السياسة حزبا يعطى من لا يملك حقاً ضارباً مثلاً بالرشايدة خاصة ان التاريخ القريب فيه شاهد والحديث ما زال لمحمد علي سليمان وهو عندما حاول الحزب الاتحادي منح الرشايدة نظارة فخرج موكب ضخم في كسلا يعارض هذا والآن يخشى من ارهاصات سياسية قد تتجدد في هذا الامر.

وفوق كل هذه العوامل هناك التأثير الخارجي خاصة من لدن اريتريا التي لديها حدود واسعة وقبائلها مشتركة.

ولكن الدكتور محمد سعيد تركاى المهتم بالشأن البجاوي يطلق تخوفه من ان الشرق اصبح مسرحاً لنشاط استخباري دولي خاصة بسبب موقعه الجغرافي مما يجعل الامر فيه ميسوراً اكثر من دارفور ولكن تركاى يعود ليقول ان التنمية هي الحل لهذا المأزق وهي الامر الملح الذي لا يحتمل الانتظار وكل وقت يمر دون اتجاه حقيقي نحو تنمية الشرق يزداد احتمال الانفجار.

أما مولانا درف فبجانب اتفاقه مع تركاى في ان التنمية هي الحل من هذا الهاجس وحافز لينأى المواطن عن الاستغلال السياسي خاصة انه لا يؤمن الا بالمشاريع التي يراها امام عينيه ويشدد درف على ضرورة وحدة الصف بل انه يقول ان حركات شرق السودان هي دائماً مطلبية. ورغماً عن هذه التطمينات الا ان أحاديث تروج في شرق السودان عن تجييش للقبائل بيد ان والي كسلا عندما سألته عن الامر نفاه جملة وتفصيلاً، وقال لا احد يحمل السلاح خارج اطار القانون مهما تكن حدة الاستقطاب الا ان الشرق لديه مصداته الاجتماعية وينتظر طوق النجاة الذي هو التنمية.

No comments: